توقفت طويلا أمام تصريحات «جوردون براون» رئيس الوزراء البريطاني التي أدلى بها قبل أسابيع إلى صحيفة تليجراف ذائعة الصيت، والخاصة بوضع الدين في بريطانيا كدولة، براون لم يجد حرجا في أن يقول بوضوح إن بريطانيا دولة مسيحية، وأن هوية الدولة البريطانية هي بجذورها اليهودية المسيحية التي تصبغ قيم المجتمع وتمثل أساسه مهما تغيرت السياسات والمؤسسات، براون حاول أن يكون متوازنا عندما نفى أن يكون هناك تمييز مع المسلمين أو ضدهم في المملكة المتحدة، معتبرا أن بلاده متعددة الثقافات ولا تريد أن تشعر أي أقلية فيها بالتمييز، براون الذي كان والده كاهنا في كنيسة اسكتلندا نفى مقارنة بلاده بفرنسا، ولمزيد من الإيضاح قال: إن فرنسا علمانية صحيح، لكن بريطانيا تختلف، مضيفا قوله: لو قمت بعمل دراسة على مستوى بريطانيا وسألت الناس عن أهم شيء بالنسبة لها وما الذي يؤمنون به، لقالوا لك: القيم اليهودية المسيحية، هذه التصريحات المثيرة من زعيم أعرق ديمقراطية في العالم تؤشر إلى معاني ومعالم كثيرة في اللحظة الإنسانية الراهنة، فهناك أولا قلق أوروبي حقيقي من انتشار الإسلام وانحسار المسيحية في أوروبا ذاتها، رغم أن المؤسسات التنصيرية الأوروبية تنفق عشرات المليارات من الدولارات سنويا لنشر المسيحية عبر العالم، بينما هي تنحسر في داخلها، وهناك توقعات أن الإسلام سيصبح من خمس إلى ربع تعداد سكان دول الاتحاد الأوروبي بحلول العام 2050، كما أن هناك رصدا أوروبيا مصحوبا بالدهشة البادية في تعليقات صحافية كثيرة لتحول آلاف الأوروبيين إلى الإسلام سنويا وخاصة في بريطانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فهناك قلق أوروبي على هوية القارة التي مثلت تاريخيا معقلا للمسيحية، هناك إحساس متزايد أن أوروبا تفقد هويتها، وتفقد قيمها وتفقد الإحساس بوجودها التاريخي، ولعل ذلك كان سببا في التصريحات العصبية أحيانا لرموز كنسية كبيرة مثل بابا الفاتيكان والكنيسة الإنجيلية في بريطانيا، والتحدي الحقيقي الذي يواجه أوروبا الآن أنها ناضلت عبر قرون من أجل صناعة نهضة لأجل الإنسان، فأنتجت النهضة وصنعت حضارة، لكنها فقدت الإنسان، أو هي في سبيلها إلى فقده نهائيا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 110 مسافة ثم الرسالة