يصادف اليوم 13 شعبان، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط "تواصل" الضوء على أبرز هذه الأحداث 13ه معركة القادسية في مثل هذا اليوم من سنة 13 ه الموافق 16 نوفمبر 636 م، معركة القادسية أحد أعظم معارك الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس، بقيادة «سعد بن أبي وقاص»، وقاد الإمبراطورية الفارسية «رستم فرخزاد»، انتصر المسلمون وقتل رستم. مكان المعركة بالقرب من مدينةٍ تُسمّى «الديوانية»، وهي إحدى محافظات الفرات الأوسط في العراق، فالقادسية موجودة بين النجف والحيرة إلى الشمال الغربي من الكوفة، وإلى الجنوب من كربلاء، شرقيّ نهر الفرات، وجنوبي منطقة الكوفة. رستم يقود الفرس أمر «يزدجرد» ملك الفرس «رستم» بقيادة جيش الفرس معركة القادسية، وسعى «رستم» محاولًا التنصل من هذه المهمة، إلا أنه اضطر تحت إلحاح ملكهم «يزدجرد»، وكانت انتصارات المسلمين الباهرة السابقة، قد حطمت معنويات الفرس. وصول المسلمين إلى القادسية وسار «سعد بن أبي وقاص» رضي الله عنه – فنزل القادسية، وبث سراياه، وأقام بها شهرًا لم يرَ أحدًا من الفرس، فقام بحيلة رائعة؛ حيث أرسال مجموعات استكشافية من جنوده، وبعث سريا لتأتيه بالأخبار، وتزوده بالطعام، حتى عرفت أيام «القادسية» بأسماء ما كان فيها من طعام، كيوم «الأباقر» ويوم «الحيتان»، وكان في ذلك استنزاف للقوات الفارسية، ومعنويات جنوده. «ربعي بن عامر» المبعوث الأول للمسلمين إلى رستم وطلب «رستم» من «سعد» رضي الله عنه عبر رسول أرسله، أن يبعث إليه رجلًا من رجاله، فأرسل له «سعد» رضي الله عنه «ربعي بن عامر» رضي الله عنه ؛ فلجأ «رستم» إلى طريقة الأغراء، فزين له مجالسه بالنمارق، وأظهر اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة، ففوجئوا برجل قصير القامة، ثيابه صفيقة، وأسلحته متواضعة، وفرسه صغير، ولم يزل «ربعي» رضي الله عنه راكبًا فرسه حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها، وأقبل على «رستم» فقالوا له : ضع سلاحك، فقال: إني لم آتيكم، وإنما دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل رضي الله عنه يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق أكثرها، فقال له رستم: ما الذي جاء بكم؟، فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله، فقال رستم وما موعود الله؟، قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى، قال رستم : قد سمعت مقالتك، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟، قال: نعم كم أحب إليكم؟ يومًا أو يومين؟، قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا، فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، قال رستم: أسيدهم أنت؟، قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم، فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟، فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب!، أما ترى من ثيابه؟، فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب. «المغيرة بن شعبة» مبعوث المسلمين إلى رستم وبعد ذهاب «ربعي بن عامر» رضي الله عنه أرسل «رستم» إلى «سعد» رضي الله عنه يطلب رجلًا آخر ليرى هل هؤلاء القوم كلهم على وتيرة واحدة أم لا؟، فأرسل له سعد رضي الله عنه «المغيرة بن شعبة» رضي الله عنه ، لكن رستم غير من لهجته، فأظهر حدته وأبدى غضبه وثورته، فقال أول ما قال للمغيرة: إنما مثلكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل فقال من يوصلني إليه وله درهمان؟، فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص، فلم يجده، فجعل يقول من يخلصني وله أربعة دراهم؟، ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جحرًا في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفًا رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئًا كثيرًا، فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليخرجه فلم يستطع لسمنه، فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، وقد أعلم أن الذي حملكم على هذا معشر العرب الجَهدُ الذي قد أصابكم فارجعوا عنَّا عامكم هذا، فإنَّكم قد شغلتمونا عن عِمارة بلادنا، وعن عدوّنا، ونحن نُوفِر لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا، ونأمر لكم بكُسوة، فارجعوا عنَّا عافاكم الله!. فرد عليه «المغيرة بن شعبة» رضي الله عنه : لا تذكُر لنا جهدًا إلاَّ وقد كنَّا في مثله أو أشدَّ منه؛ أفضلُنا في أنفسنا عيشًا الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ ماله فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزل كذلك حتَّى بعث الله فينا نبيًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب، فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به، فصدّقه منا مصدّق، وكذّبه منَّا آخر، فقاتل مَن صدّقه من كذبه، حتى دخلنا في دينه؛ من بين مُوقن به، وبين مقهور، حتى استبان لنا أنه صادق، وأنه رسول من عند الله، فأمرنا أن نقاتل من خالفنا، وأخبرنا أن من قُتل منَّا على دينه فله الجنَّة، ومن عاش ملك وظهر على من خالفه، فنحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله، وتدخل في ديننا، فإن فعلت كانت لك بلادك، لا يدخل عليك فيها إلا من أحببت، وعليك الزكاة والخُمس، وإن أبيت ذلك فالجزية، وإن أبيت ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك. وقال له «رستم»: ما كنت أطنُّ أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب، لا أمسي غدًا حتى أفرُغ منكم وأقتلكم كلّكم. سعد يستطلع أمر جيش الفرس وبعث سعد سرية ليطَّلع على أخبار الفرس الجلية، عليها طُلَيحة الأسدي لتأتيَه برجلٍ من الفرس، وذلك لما دنا جيشُ رستم من القادسية، فاخترق طليحة الجيوش والصفوف، وقتل جماعة من الأبطال حتى أسَرَ أحدهم، وجاء به لا يملك من نفسه شيئًا، فسأله سعدٌ عن القوم فجعل يصفُ شجاعة طليحة. الجيش الفارسي وعبَّأ رستم جيشه المكون من ثمانين ألفًا، ومعه ثلاث وثلاثون فيلًا؛ منها فيل أبيض كان لسابور، فهو أعظمها وأقدمها.، وجعل على المقدمة «الجالنوس» ومعه أربعين ألفًا ، وعلى الميمنة «الهرمزان»، وعلى الميسرة «مهران بن بهرام»، وعلى الساقة «البندران».
بدء المعركة وبعد أن صلى سعدٌ بالناس الظهر، خطب الناس فوعظهم، وحث جنده على الثبات والاستبسال، وتلا قوله -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ سورة الأنبياء: 105، وقرأ القراء آيات الجهاد وسوره. وكبَّر سعد أربعًا، ثم حملوا بعد الرابعة فاقتتل الجيشان حتى الليل، وقتل من الفرقين بشرٌ كثير، وفي الصباح اقتتلوا، ثم أصبحوا كما أَمْسَوا على مواقفهم، فاقتتلوا حتى أمسوا، ثم اقتتلوا في اليوم الثالث، وأمستْ هذه الليلة تسمَّى ليلة الهرير، فلما أصبح اليوم الرابع كان سعد – رضي الله عنه – قد أصابه عِرْق النَّسَا، ودمامل في جسده، فهو لا يستطيع الركوب، وإنما هو في قصر متكئ على صدره فوق وسادة، وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، وقد جعل أمر الحرب إلى «خالد بن عرفطة»، وجعل على الميمنة «جَرِير بن عبدالله البجلي»، وعلى الميسرة «قيس بن مكشوح»، وكان قيس والمغيرة بن شعبة قد قَدِما على سعدٍ مددًا من عند أبي عبيدة من الشام، فاقتتل المسلمون قتالًا شديدًا، وقد قاسَوا من الفِيَلة بسبب نفرت خيول العرب منها، وأباد الصحابة الفِيَلة ومَن عليها، وقلعوا عيونها، وأبلوا حتى وقت الزوال من هذا اليوم، وسمَّى يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرَّم، سنة أربع عشرة. وهبَّت ريح شديدة، فرفعتْ خيام الفرس عن أماكنها، وألقتْ سرير رستم الذي هو منصوبٌ له، فبادر فرَكِب بغلتَه وهَرَب، فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا جالينوس مقدِّمة الطلائع القادسية، وانهزمت الفرس، ولحقهم المسلمون، فقتلوا المُسَلْسَلون وكانوا ثلاثين ألفًا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقتلوا قبل ذلك قريبًا من ذلك، وقتل من المسلمين ألفان وخمسمائة، وساق المسلمون خلفهم المنهزمين حتى دخلوا وراءهم مدينة الملك يزدجرد، وهي المدائن التي فيها الإيوان الكسروي، وغنم المسلمون من وقعة القادسية هذه من الأموال والسلاح.