أكد أكاديميون ودعاة أهمية دور التربية القرآنية في إصلاح المجتمع وانعكاس علومه وتدبره على كافة الأصعدة العبادية والسلوكية، وقدم عدد منهم بحوث حول ذلك في ملتقى التربية بالقرآن الكريم (مناهج وتجارب) الذي نظمته الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه "تبيان" بالتعاون مع جامعة أم القرى الأربعاء والخميس الماضيين. المؤسسات القرآنية ودورها في حماية الفكر شدد كبير المستشارين بالإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية د.عثمان بن محمد الصديقي في بحثه -الذي عنونه ب(تربية القرآن الكريم على الوسطية ودور المؤسسات القرآنية في تحقيقها)-، على أهمية المؤسسات القرآنية، سواء كانت في جمعيات ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، أو الجامعات التعليمية في كلياتها القرآنية، أو في كراسيها العلمية البحثية في مجال القرآن وغيرها من المؤسسات التي لها دور في تطبيق تربية القرآن الكريم على الوسطية والاعتدال في الفكر والمنهج والسلوك والمعاملة. و قال الدكتور الصديقي : من أهم الأمور التي دعا إليها القرآن الكريم وربى عليها المرء هو عنايته بالفكر والعقل واستخدامه منهج الوسطية والاعتدال، والبعد عن منهج الغلو والتنطع والتشدد، وإن عدم مراعاة تلك التربية وإهمالها لمزلق خطير انحرف فيه أفراد حكموا هواهم وعقولهم، وأضلهم الله على علم وختم على سمعهم وقلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، نعوذ بالله من ذلك. وأضاف "مما لا شك فيه أن الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لها هدف سام وهو حفظ وتلاوة كتاب الله تعالى وتدبر آياته والتخلق بأخلاقه وفقه منهج السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، وهذا ما دأبت عليه الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية منذ بداية تأسيسها؛ إلا أن ذلك لا يمنع من وضع بعض البرامج التي تخدم ذلك الهدف العام، إذ لا يمكن أن تعيش الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنأى عما يراد من توجيه الشباب والعناية بهم من الناحية الفكرية؛ بل قد تكون هي خير من يقوم بمثل تلك البرامج، وذلك لثقة الناس بها وبالقائمين عليها، وهم أهل لتلك المسؤولية والرعاية، وخصوصا أن غالبية من يقصد تلك الجمعيات المباركة هم من الشباب المتدين والمؤثر في غيره". واستعرض الصديقي نموذج تطبيقي في إقامة الملتقيات العلمية الكبرى التي قال عنها "فيها من الفوائد الشيء الكثير، حيث تتيح تلك الملتقيات العلمية الفرصة للباحثين بعرض أفكارهم ومقترحاتهم وخبراتهم حول المحاور العلمية، وفق أوراق علمية وبحوث محكمة بالتعاون مع الجامعات والجهات الأكاديمية". واستدل بنموذج الإدارة العامة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حيث قال " أثناء تشرفي بالعمل فيها كمدير عام، وقد كان ذلك عام 1430 ه، حيث عقد ملتقى علمي بعنوان الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وأثرها في تحقيق الأمن، وقد عقدته الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية في مدينة الخبر، وقد كان الملتقى مهما وناجحا قدمت فيه كثير من الأوراق التي تؤكد أهمية الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في حفظ الأمن. ونتجت عنه العديد من التوصيات ". مجالس التدارس وآثارها التربوية وشدد الأستاذ المشارك بجامعة القصيم د. محمد عبد الله الربيعة على محورية دور مجالس التدارس القرآنية وآثارها التربوية حيث قائلا: مجالس التدارس تقام في بيوت الله تعالى وغيرها ويحضرها عدد من اثنين فأكثر؛ بغرض تدارس القرآن تلاوة وتفهما وتدبرا لتحقيق التلاوة الصحيحة والاهتداء والتزكية بالقرآن، فهي مجالس قرآنية إيمانية تحقق تلاوة كتاب الله تعالى بطريقة صحيحة، وتحيي النفوس بآياته وتزكيها بهداياته. وأضاف "تعتبر مجالس تدارس القرآن من أفضل السبل لربط الناس بكتاب الله تعالى، والعيش معه، وتذوق معانيه، واستحضار هداياته، وهي تعتبر من أفضل المجالس وأوفرها علماً، وأكثرها أثراً، وأعظمها أجراً؛ ذلك أنها تتمثل الهدي النبوي والفضل الموعود. واستدل بما تنجزه المجالس وعلاقتها بالتربية على أهمية العناية بالصفوة من الناشئة وبنائهم إيمانياً وتربويا من خلال هذه المجالس، بالإضافة أن فيه دليل على أن مجالسة الشباب للكبار من أهم وسائل التربية، وتكتمل تربيتهم على مائدة القرآن. ووضع الربيعة برنامجًا مقترحًا لمجالس التدارس في المدارس والحلقات لتمكين طلاب المدارس والحلقات من تدبر كلام الله بمنهج التدارس ليكون منهج حياة ، يقوم على اختيار معلمين، يتم اختيارهم ممن لديه خبرة تربوية وعناية بالتدبر، ويقام دورة تأهيلية للمعلمين في التدبر، على أن تشتمل الدورة على الأسس اللازمة للتدبر، وبيان طرق وآليات التدبر والتدارس، ثم يكون لهم مجلس أسبوعي مع أحد طلبة العلم المتخصصين. واستكمل: يقام مجلس في التدارس في الحلقة، بواقع مجلس أو مجلسين في الأسبوع ، بحيث لا يزيد عدد الطلاب على عشرة طلاب، فإن زاد فتقسم الحلقة إلى مجموعات في التدارس ، وتوفر لهم مجموعة تفاسير منها:" تفسير ابن كثير ، بدائع التفسير في مجموع تفسير ابن القيم ، تفسير السعدي ، تفسير القرآن العظيم لابن عثيمين " . كما اقترح إقامة أنشطة مصاحبة للبرنامج ومنها:" مسابقة على شريط أو كتاب تدبري ، ملتقى تدبر ويتضمن عدة فعاليات ، دورات في التدبر ، وضع لوحات وملصقات في التدبر ، مسابقة في تدبر آية ، إقامة رحلة تدب رية، يكون ضمن أنشطتها تدارس سورة ". تطبيقات ونماذج عملية فيما استعرضت أ.د. رقية بنت محمد المحارب أستاذ الحديث بكلية الآداب بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، تجربة خاصة للتربية بالقرآن في مجالس متنوعة قصيرة ومتوسطة اختصت منها تجربتين مختلفتين الأولى هي مصلى كلية التربية للأقسام الأدبية بالرياض، والتجربة الثانية : جامع دار العلوم بالرياض. وقالت المحارب " ابتدأتُ حلقة إقراء القرآن في مصلى الكلية عام 1405 ه في فترة الاستراحة بين المحاضرات وكانت مدة الإقراء تتراوح بين 12-15 دقيقة نقرأ فيها قرابة وجه من القرآن حتّى ختمنا القرآن في أربع سنوات. تميزت الحلقة بقصرها وجماهيريتها حيث يجتمع أعداد كثيرة من الطالبات، كما تميزت بسهولة المتابعة حيث لا يشترط التسجيل ولا الحضور اليومي، ولا الاستمرار، وكان جل التركيز على القراءة الصحيحة بالتجويد، بطريقة التلقين، وربما احتجتُ لبيان كلمة أو التعليق على معنى تعليقا سريعا، وربما ظهر التأثر بمعنى فيحدث التفاتاً لها ينشأ له أثر في السامعات". وتابعت "ثم مكثت سنوات أقف مع آيات من القرآن في يوم من أيام الأسبوع، يتغير من فصل لآخر بحسب الفرص وجدول المحاضرات، يجتمع عدد من الطالبات في صباح تلك الأيام تقرأ أحدهن آيات من القرآن أو أقرؤها، ثم أتناول قدرا من المقروء بالتفسير والتدبر". وتطرقت إلى تجربة مجالس التفسير في جامع دار العلوم قائلةً: "قبل أن أبدأ الدرس سعيت للجهات المختصة المتمثلة في وزارة الشؤون الإسلامية لفسح الدرس رسميا وصدر الخطاب في شوال من عام 1428ه، وقد خصص له يوم الثلاثاء من كل أسبوع في جامع دار العلوم بحي الفلاح من المغرب إلى العشاء، وقد بدأت بالتفسير من نصف القرآن الثاني من سورة الكهف تحديدا، وذلك لأني رأيت كثيرا من التفاسير بدأت بسورة البقرة ولم يتمها مؤلفوها فخشيت أن أبدأ ولا أتم، مع عقدي العزم على العود إلى البداية بعد آخر المصحف لأوله إن أمد الله في عمري، وأضافت "وثقت التفسير بالتسجيل الصوتي لمراجعته وتفريغ طالباتي له إذ يكون في تلك المجالس بركة بالاجتماع يفتح الله بها من الفهم ما قد يغيب عند التدوين والتأليف، فأردت أن أصيد الفكرة". وأضافت "كان لهذا الدرس أبلغ الأثر-في نفسي أولا- وأعظم البركة في أهل بيتي ووقتي فحرصت على المضي فيه، وشاركني عدد من الفاضلات في الحضور وعدم الانقطاع حتّى صار لفقده ألم، وللمحافظة عليه أنس ، وقد تبين أثر هذا الدرس في نفوس الحاضرات حيث أجريتُ دراسة كشفت أن معظم أفراد العينة من حضور مجالس التفسير يؤكدن زيادة يقينهن بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به وبلغ، ومحبته وتعظيمه عليه الصلاة والسلام، كما أفادت الدراسة بأن الحاضرات قد ازددن حُبِاً لحضور مجالس الذكر، واستشعرن فضائل أعمال البر والإحسان (كالصدقة والصلة) أكثر مما مضى، كما كان لها تأثير على الجانب اللغوي حيث أفدن بأنهن أحببن لغة القرآن وزادت رغبتهن في إتقانها. النمو المهني والتربوي لمنسوبات المعاهد القرآنية وقدم المشرف العام على مركز معاهد للاستشارات التربوية والتعليمية حماد بن عبد الرحمن بن حماد العمر ورقة عن برنامج النمو المهني والتربوي لمنسوبات المعاهد القرآنية حيث عرف البرنامج بأنه برنامج تطويري لاستمرارية النمو الإداري والمهاري، والقيمي والتربوي لمنسوبات المعاهد القرآنية ويستهدف "أعضاء هيئة التدريس والإداريات"، من خلال: دورات ولقاءات وورش عمل، وبرامج ذاتية، خلال مدة زمنية محددة. وأضاف " تم تنفيذ البرنامج في العام الماضي في 6 معاهد بالرياض، ويتم تنفيذ البرنامج حالياً في 12 معهداً في مناطق المملكة "الرياض، مكة، الطائف، رفحا، نجران، القنفذة"، ويستمر تطبيقه لمدة ثلاث سنوات – حسب الخطة التشغيلية المختارة-. وزاد " يقدم البرنامج استخدام 12 أداة تطويرية (دورة تدريبية – ورشة عمل- قراءة موجهة – لقاء خبير- موضوع تعلم – مشروع – ممارسة عملية –سماع موجه – زيارة – نشرة – ندوة – مهمة أدائية )، فلا يحصر التطوير والتدريب في الدورات التدريبية فقط كما يفهم البعض، وأشار إلى أن البرنامج يراعي ظروف المستفيدات باحتواء مسارات لبرامج ذاتية، وتعلم عن بعد بالإضافة للمواد المباشرة. "فاستمسك" كما عرضت المشرفة العامة على مركز آسية للاستشارات التربوية والتعليمية د. أسماء بنت راشد الرويشد مشروع (فاستمسك) الذي أطلقه مركز آسية وقالت: هو مشروع تربوي-إعلامي-تقني (يحمل اسم فاستمسك و شعار دعوة للتمسك بالقرآن الكريم)، ليكون بمثابة دعوة عملية للعودة إلى أخلاق القرآن الكريم والتربية بها بطريقة غير مسبوقة تعتمد على الحقيبة التدريبية وتأهيل الأخصائيات والفعاليات الموجهة للتأثير، وهو مشروع قابل للتمدد واستيعاب كلِ أخلاق القرآن الكريم متّى لزم الأمر. وأضافت "يتضمِن المشروع 3 أخلاق قرآنية خلال العام الواحد، بواقع خلُق واحد كل 4 أشهر، وذلك من خلال تنفيذ برنامج خاص لكل خلُق، لتكون البرامج التي يتكوِن منها مشروع (فاستمسك) ، وقد جمعت الخطة الاستراتيجية بين خلال تعزيز المنظومة الأخلاقية عبر "مقاطع الفيديو ، الملصقات ، البرامج التدريبية ، رسائل الجوال والشبكات الاجتماعية " و تصحيح الجانب القيمي من خلال " حقائب تدريبية متخصصة ، وكتب الكترونية وورقية ، وتطبيقات للأجهزة الذكية " . وكشفت عن أبرز المخرجات النوعية للمشروع ، وهو إنشاء ذراع تدريبي متخصص تحت اسم برنامج إعداد وتأهيل "أخصائية القيم"، يهدف إلى تحقيق انتشار المشروع وتوسعه، من خلال إعداد 25 أخصائية قيم في دورته الأولى، كما يهدف كذلك إلى تطوير المشروع مستقبلا ليُصبح بيت خبرة قيمي يغطي حاجة المجتمع إلى من يدرِب وينفذ برنامجا تدريبياً قيماً متخصصاً.