المسافات لا تقاس بالمتر فقط كما هو معتاد لنا إذ أن تنوع المسافات كبير حتى وإن لم تبدو لنا الا المسافة المكانية فهناك المسافات الزمانية والروحية والوجدانية والمسافات الفكرية كما أن هناك نوعا أخاذا من المسافات وهي المسافة بين الواقع والخيال وفي هذه المسافة تحديدا يمكن ان تصنع لنفسك منطقة دافئة لفترة من الزمان لتستيقظ بعدها في نهاية المسافة على واقع تعيس لم تحقق ما كنت تتخيله، نوعية المسافات تحدد لنا حجم رغباتنا واستحالة تحقيقها وفصلنا عنها او قدرتنا على المضي قدما نحو الهدف بعزيمة واصرار حين نتبين معالم المسافة ومتطلباتها، كما أنه من الأهمية بمكان حفظ المسافة بينك وبين ما تشتهيه نفسك فلا قُرب مخل ولا بُعد مميت. و تعطيل المسافات المقفرة والموحشة يكون إراديا كأن تذهب بنفسك بعيدا عن ذكرى مؤلمة في صناعة متعمدة لمسافة وجدانية تحقق لك الهدوء والراحة وترفض وصاية الذكرى على عقلك، والتعطيل يأتي أيضا برحيل إختياري عن مكان تعشقه فتباعدك عنه المسافات المكانية والزمانية فلا تلتفت للخلف لترى اثر التدمير الذي أُحدث في نفسك والتعطيل يمكن أن يأتي أيضا بانتقاء من هم قادرين على اسعادك والسير معك جنبا إلى جنب في طريق آمن نحو الحياة السعيدة المسافات على تنوعها تتباين في قيمتها من حيث الصدق والجمال وأيضا البشاعة والالم والطول والقصر أما أجمل المسافات وأقصرها فهي دعوة صادقة في ظهر الغيب لمن تحب، وأما أطول المسافات تلك المسافة التي تفصلك عن بر والديك بحجج واهية واعتذارات بالية ، وأما أبشعها وأكثرها مرارة وقسوة هي المسافة التي تبعدك عن الإنسانية بكل قيمها لا سيما الرحمة والتعاطف ، وأما من حيث الألم فلا أشد وجعا من مسافة تبعدك عمن تحب مجبرا أو راضيا. وهناك مسافات اوجدت تلقائيا ويجب علينا عدم تجاوزها واحترامها كالمسافة التي تفصلك عن خصوصية الآخر اذ من المعيب حقا أن تتطفل على ماليس لك حق الاطلاع عليه ، وهناك ايضا المسافة التي يجب ان تضيق وتقصر إذ حين تحضر الإرادة والرغبة في التغيير يمكن جدا قصر المسافات وتضييقها لتبدو المقارنة بين التسامح الذي لا يعني الضعف وبين القوة التي لا تعني القسوة واضحة بينة فلا خلط بينهما، المسافات متشعبة ولكن لا تكن ممن تبتلعه المسافات فيبتعد عن نفسه ومحيطه وأهدافه واحلامه وتتفرق به السبل فيهلك دون الوصول لمبتغاه .