منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ونيف وأنا أبحث وأعد في كتاب عن قبيلة آل قريش وقد غطيت الفترة من عام 950ه حتى الآن ومما مر بي في هذا البحث عرفت أن القبيلة انتماء .. ضمان .. حماية .. تعاون ..تكاتف .. تحالف.. من أجل مواجهة أخطار الحياة التي كانت تعيشها القبائل وهي التي تصنعها وتخلقها . هذا في ما مضى حتى قيّض الله لهذه الأمة قائد أعده في مصاف الخلفاء والأئمة المصلحين الصالحين الذين عرفناهم عبر التاريخ الإسلامي ، حيث زرع الألفة والأخوة الإسلامية بين أبناء القبائل في المملكة بدلا من الفرقة . ومما مر بي أعتقد أنه لم يبقى من القبيلة التي عرفت سوى الاسم وما يجري الآن من أفعال قبلية لا علاقة له بالقبيلة ، لا اسما ولا نسبا ولا انتماء وإنما هو عبث من أعتقد إنهم على هامش لقبيلة يعيشون وهم لا يقلّون في مستواهم وتصرفاتهم عن ( التّحوت ) الذين هم بيننا في هذا الزمن يعيشون أصلحهم الله . هذا مدخل أبدأ به رداً على ضوء الرأي الجريء الذي قال به الأخ عبدالله بن غانم العابسي هنا في هذه الصحيفة عن القبيلة من زاوية ضيقة وهي سلبيات القبيلة وليست القبيلة .. فالقبيلة انتماء مثل اسم الأسرة أو العائلة هذا لا غبار عليه كاسم .. إنما الغبار البركاني أو الطيني هو على الممارسات .. التصرفات .. السلوكيات .. القبلية التي ما انزل الله بها من سلطان وأصبحت من الماضي . إنني من خلال الذين قابلتهم وعرفتهم في المنطقة كلها تمنيت للكثير منهم موتاً جماعياً .. وكنت سأضمن لهم لو تم ذلك ترحماً جماعياً أو جمعيا ، لأنهم يسيئون للقبيلة . إني وبالرغم من تأييدي غير المحايد للأخ عبدالله في هذا الرأي وما أضافه النداء الأخير من رؤيا تعليقا وتأييدا له إلا أنه لو سألني الأخ عبدالله عن رأيي في الكتابة عن هذا الموضوع لقلت له : لا .. لماذا ؟ .. لأنني بكل بساطة أعتبر أن الأمر سيكون له أثراً سلبياً أكبر من أثره الإيجابي وأن بالإمكان استبدال هذا الرأي بموضوع آخر لأن هذا الرأي صوت لا يصل لمن نريد أن يصله ، فالعيون طرش .. والآذان صم .. والقلوب ميتة .. والعقول متحجرة .. والمكان مجهول لهم .. لكن أنا هنا لا ألوم القبيلة ولا القبلية ، إنني أريد أن أقول هنا وبكل صراحة إن اللوم على أبناء طريب وقبائل طريب من الجامعيين الذين أعتقد أنهم الأخطر على العقل من القبليين .. سيقول قائل لماذا ؟ فأقول : إنك حينما تجلس مع الجامعي تتوقع منه فهما كبيرا وعقلا راجحا وحوارا ناضجا فتصعق عندما تجده مثل الأميين من عامة الناس في الحوار والرأي وأجهل العارفين بنفسه .. إما تابعاً لوالده أو لأخيه الكبير أو لعامة الناس ، وعندما تسأل لماذا تغلّب سلوكنا البدائي على مكتسبنا الثقافي فهما وعقلا وحوارا وإدراكا أقول : إن ما حصلنا عليه ما هو إلا مجرد ورقة للوظيفة وليست شهادة جامعية تعني تحصيلا معرفيا نثقف به أنفسنا ومجتمعنا الذي هو أمانة في الأعناق وهو أنا وأنت وهم.. لكن دعونا نخرج من التشنج القبلي وندخل تشنجا آخر هو ما أشرت إليه في الأسطر السابقة وهو إنني أتّهم كل الجامعيين من أهل طريب خاصة والجنوب عامة بالتبعية القبلية الساذجة وبالجهل الثقافي وإنهم مجرد حملة شهادات جامعية للتوظيف وليست للتثقيف .. ولو لم يكونوا كذلك لما كانت المنطقة أفقر المناطق بالمملكة ، لأن العلم يثري العقول والجيوب والجهل يفقر الجيوب والعقول .. إنهم مثل صناديق البريد أو ظروف الرسائل قد تحمل في داخلها شيئاً ما لكنها للآخرين وليست لهم ، أما هم ففارغون من الداخل .. وعاء أجوف .. في الختام ما يهمني هو أن يؤثر الجامعي في محيطه ، لا أن يتأثر الجامعي بمحيطه ، فبدلا من أن يكون قائدا مثقفا أصبح ساذجا يقاد .. اسألوا لماذا علا صوتنا الشعبي والرياضي والغنائي وخبت صوتنا الثقافي ووعينا !؟؟ أليس هذا عيبا ؟؟ يا أبناء طريب .. يا جامعيين .. يا مؤهلين .. لقد حصلتم على الشهادة والوظيفة فهل أخذتم من خلالها بأهلكم أهل طريب ثقافيا ووعيا فرديا وجماعيا باللغة .. بالسلوك .. بالتعامل .. بالرقي .. أم إنكم الجسم الكامل الخامل للقبيلة والقبلية والوجه الأخر لها .. والجهل المتأصل في الجماجم الفارغة التي تعرفونها أكثر مني .. لا تدفعوني لإعلان العزاء فيكم أيها الأمل .. فإما أن تكونوا أو فأحرقوا شهاداتكم الجامعية ولا عزاء في البلهاء .. ومنعا للتشنج أفيدكم أنني قد متّ عقلاً وفكرا وتأهيلا منذ زمن بعيد بعد أن حاربوني بكل أسلحة الدمار القبلي ولكنني لم أمت دماغيا بعد فلا تلحقوا بي ..