تعجبت من الهجوم الاعلامي المكثف على اللاعبين بعد الخروج من البطولة الأسيوية وجعلهم السبب الوحيد والأساسي لذلك , ربما اقالة المدرب واستقالة الأمير سلطان بن فهد قللت عدد الموجودين في دائرة المحاسبة ليصبح اللاعبين نجوم الحفلة ومركز استقبال لذلك الهجوم. ورغم الحملة الحالية الشرسة عليهم والتشكيك في قدراتهم ومهاراتهم واتهامهم كسبب أساسي في انخفاض مستوى الكرة السعودية رغم زيادة أسعار عقودهم, وذلك رغم إيماننا بأن من يمثلون المنتخب هم النخبة حالياً. أرى -من وجهة نظري- اللاعب غير ملام ولو بنسبة بسيطة على ذلك لسبب بسيط سيتضح في نهاية هذا المقال . أتذكر مقابلة المذيع ماجد التويجري للكابتن سامي الجابر بعد تكليفه بمهام ادارة الكرة في الهلال مباشرة حين اجاب على سؤال (هل تطمح للوصول الى الاتحاد السعودي عن طريق الهلال؟) فرد سامي بكل ثقة : (اهدافي اعلى من الوصول للاتحاد الاسيوي) وسمعنا جميعا المعجزة يوسف الثنيان في برنامج اسيا لاين حين كان يتحدث عن المنافسة على الشرسة على المركز حتى ان المدرب كارلوس البرتو كان يضطر الى ايقاف كل تمرين اكثر من مرة لنقل اللاعبين الى العيادة الطبية, الغريب انه حتى الثنيان وهو الخارق للعادة يضطر الى القتال للوصول الى القائمة الاساسية ! وقبل ايام تداخل سمو الامير محمد بن فيصل مع برنامج (المجلس) وصرح بأن من افشل احتراف ياسر القجطاني في فريق مانشيستر ستي هي اعذار ياسر الواهية ليلة توقيع العقد . وقبل ايام ايضا رئينا التوتر الغريب للحارس وليد عبدالله بسبب الحديث الاعلامي عن اسعار اللاعبين, حتى انه طلب من الاعلامين نقد اي شيء إلا الوضع المالي للاعبين, وكذلك سمعنا تصريح مشابه للاعب اسامه هوساوي . ويقول الاستاذ خالد البلطان: كنت من اشد المعارضين لإلغاء المادة 18 من نظام الاحتراف ومع ذلك سأنافس على شراء عقد اي لاعب يدخل في فترة الست اشهر ! المهم هنا هل تحولت كرة القدم بالنسبة لنا لتصبح عقود لاعبين واستثمارات أندية ؟ وكيف تمكن طرح موضوع مبالغ عقود اللاعبين الحالية من استفزاز اللاعبين بشكل غريب ؟ وهل تلك الزيادة في الصرف قد أصبحت تتناسب عكسياً مع الانجازات ؟ وهل نقطة التحول التي سببت تضخم اسعار اللاعبين كانت بسبب تصادف منصور البلوى والأمير محمد بن فيصل في ذات الفترة الزمنية ؟ وهل حقق البلوي الهدف الذي ذكره في احد تصريحاته حين قال (اتيت لأرفع اسعار اللاعبين), وماهو المنطق الذي كان البلوي يرى من خلاله ؟ وهل ضاعف حجم الاستثمارات الحالية للاندية من حجم المشكلة ؟ ولماذا اصبحت البنية التحتية للاندية شيء اقرب الى الكمالية ؟ نعود الى عالم النفس الامريكي أبراهام ماسلو والذي عاش في القرن الماضي وتوفي في العام 1970م ويعتبر احد رواد الفلسفة واشتهر بنظريته (تدرج الحاجات) . يفترض ماسلو أن الحاجات أو الدوافع الإنسانية تنتظم في تدرج أو نظام متصاعد من حيث الأولوية، فعندما تشبع الحاجات الأكثر أولوية أو الأعظم قوة وإلحاحا فإن الحاجات التالية في التدرج الهرمي تبرز وتطلب الإشباع هي الأخرى وعندما تشبع نكون قد صعدنا درجة أعلى على هذا الهرم, على أن تكون عملية الانتقال من مستوى إلى مستوى أعلى بشكل التراتبي حتى يصل الشخص إلى قمته. هذه الحاجات والدوافع وفقا لأولوياتها في النظام المتصاعد (كما وصفه ماسلو) هي كما يلي: 1- الحاجات الفسيولوجية : مثل الجوع, والعطش, وتجنب الألم, والجنس, وغيرها من الحاجات التي تخدم البقاء الإنساني بشكل مباشر. 2- حاجات الأمان : وتشمل مجموعة من الحاجات المتصلة بالحفاظ على الحالة الراهنة, وضمان نوع من النظام والأمان (المادي) و(المعنوي) مثل الحاجة إلى الإحساس بالأمن والثبات والنظام والحماية والاعتماد على مصدر مشبع للحاجات. 3- حاجات الحب والانتماء : وتشمل مجموعة من الحاجات الاجتماعية مثل الحاجة إلى علاقة حميمة مع شخص آخر الحاجة إلى أن يكون الإنسان عضوا في جماعة منظمة, الحاجة إلى بيئة أو إطار اجتماعي يحس فيه الإنسان بالألفة مثل العائلة أو الحي أو الأشكال المختلفة من الأنظمة والنشاطات الاجتماعية . 4 – حاجات التقدير: هذا النوع يتعلق بالحاجة إلى اكتساب الاحترام والتقدير من الخارج ويشمل الحاجة إلى اكتساب احترام الآخرين, السمعة الحسنة, النجاح والوضع الاجتماعي المرموق, الشهرة ...الخ. 5-حاجات تحقيق الذات أو الحاجات العليا : إلى وهي حاجة الإنسان إلى استخدام كل قدراته ومواهبه وتحقيق كل إمكاناته الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه. وهذا التحقيق للذات لا يجب أن يفهم في حدود الحاجة إلى تحقيق أقصى قدرة أو مهارة أو نجاح بالمعنى الشخصي المحدود.. وإنما هو يشمل تحقيق حاجة الذات إلى السعي نحو قيم وغايات عليا مثل الكشف عن الحقيقة, وخلق الجمال.. وتحقيق النظام ... الخ . بنظرة سريعة وشاملة على الدوري السعودي اعتقد ان معظم اللاعبين يتموقعون بين الحاجة الثانية والثالثة وقليل من نجوم الصف الاول قد وصلوا الى الرابعة . بشكل عام لن يستطيع اي انسان الوصول الى قمة الهرم (وهي أقصى ما يستطيع الإنسان أداءه) إلا في حالة إشباعه للحاجات الأربعة الأولى . السؤال الاهم هنا كيف ندفع اللاعب لكي يصل الى أقصى ما يستطيع أداءه ؟ سبب نجاح اللاعب السعودي في زمن الهواية من وجهة نظري كانت بمساعدة من الظروف الاقتصاديه, فعلى سبيل المثال كان المواطن يستطيع الحصول على وظيفة ذات دخل ممتاز بالمؤهل الثانوي .. ومن ناحية اخرى لم يكن اللاعب يصنف ويشجع بلا اداء ويحارب بلا سبب منطقي ويصنف فقط بناء على ناديه, وكذلك التطور الحاصل في وسائل الإعلام في العقد الماضي قد صنع مقارنة ظالمة بين اللاعب السعودي الحالي وبين لاعبين عالميين يفوق عقد الواحد منهم مجموع ميزانيات اتحاداتنا وأنديتنا لأعوام . إذا أسلوب المقارنة بين مرحلتين زمنيتين مختلفتين غير مجدي ولن يوصلنا إلى أية نتيجة . لذا إذا أردنا إن يعطي اللاعب كل ما يستطيع للوصول إلى تحقيق ذاته يجب علينا مساعدته على رفع مستواه الذهني اولا والفكري والثقافي ثانيا عن طريق تحديد دورات تدريبية وبرامج تعليم مستمر يتم تحديثها سنوياً ويقوم عليها متخصصون بالعلوم الرياضية المختلفة بالاشتراك مع متخصصين بالموارد البشرية, مع تعهد الأندية بتقديمها للاعبين كمتطلب للاشتراك بدوري المحترفين, وبهذه الطريقة سيستطيع اللاعب استيعاب ان الحياة اشمل من كرة القدم و أن كرة القدم اشمل من جمهور يمدح وأخر يسب ورئيسين يستخدموه كوسيلة لتصفية حسابات ابعد ما تكون عن كرة القدم . كما قلت سابقاً لا نستطيع لوم اللاعب اذا كان اقل مشجعيه يفوقه فكريا وثقافيا من ناحية وفي مستوى الفكر والفهم الكروي من ناحية اخرى. وكذلك لا نستطيع لومه حين يجد امامه دجاجتين كلتاهما تبيضان ذهباً .