الرقاة الذين يعملون خارج مظلة الرقابة الرسمية أوجدوا سوقا هامشية للمتاجرة بمتاعب مراجعيهم وآلامهم التي تجعلهم يبحثون عن العلاج حتى على أبواب المتاجرين وأدعياء الرقية الشرعية، وذلك ما ظهر معه سوق للماء وأنواع متعددة من الزيوت كتلك التي يتاجر بها أصحاب محال العطارة لأغراض النساء وبحثهن عن الجمال. ورغم عدم وجود نصوص شرعية توضح أي خلطات للماء أو زيت الزيتون وغيره من الزيوت المستخدمة في رقيتهم، إلا أنهم يدفعون المراجعين تحت وطأة الحاجة إلى العلاج إلى شراء تلك الزيوت وادعاء خلطها والقراءة عليها ثم لا يشفى المريض، ما يدعو إلى محاسبة ومتابعة وعودة إلى واقع النصوص دون خلطات وأوهام تعشش في رؤوس الرقاة الدجالين. مراجع لدار رقية شرعية تحدث عن تجربته مع الرقاة الذين يتاجرون في الرقية، قائلا: «أكاد أجزم بأني زرت جميع الرقاة في مدينة جدة، وهذا ما يجعلني أطالب بتنظيم هذا النشاط، فكثير من الرقاة امتهنوا هذا العمل للكسب المادي، وبعضهم حوله لما يشبه العيادات الطبية؛ حيث يجبرك الراقي على فتح ملف ودفع مبلغ مادي مقابل ذلك عند كل زيارة». ويضيف: «بنظرة فاحصة لأسعار المواد التي يقدمها الكثيرون فإن أسعار البعض قد تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمتها السوقية، وهذا ابتزاز واستغلال لضعف المرضى ما حداني لشرائها من المتجر ومحاولة إقناع الراقي بالقراءة عليها». حق شرعي ويؤكد بندر الحارثي، «مراجع»: «أهمية إعطاء تصاريح ومراقبة لعمل الرقاة»، ويقول: «هناك من يبالغ في أسعار البيع والقراءة، وهذا حق شرعي، فمبلغ 150 ريالا للقراءة والعلاج يعتبر معقولا في مقابل الصحة والعافية، ولا أعلم عن وجود حديث أو نص شرعي في استخدام الزيت والماء، ولكن الرقاة أعرف الناس بما يقدمونه للمريض». بيع الزيت أما عبدالعزيز المطيري فقد رفض فكرة الزيوت وخلافها، قائلا: «الرقية فقط في القرآن فلم أجد حديثا أو نصا قرآنيا يربط الرقية بالزيت أو غيره، فالزيت شجرة مباركة وهناك أحاديث تدل على استخدامه في حالته الطبيعية دون الارتباط بالرقية، فالبعض جعل الرقية تجارة يوهم المراجعين بأنه لا يأخذ مقابل القراءة بينما يعوضها من خلال العلاج الذي يبيعه». رقية ذاتية ويرى صلاح عثمان «مراجع لراق شرعي»، أنه من الأفضل أن يرقي الإنسان نفسه، وأن يبتعد عن الشبهات: «حين يعجز الإنسان يلجأ لمن يتوسم فيهم الخير، لكن بعضهم جعل الرقية معبرا لأغراض مادية ونزوات شهوانية». ويقول رأفت جنبي إمام مسجد: «لا بد أن يعرف الجميع أن القرآن بحد ذاته شفاء دون الحاجة إلى أي إضافات، فالعسل بمفرده شفاء كما ورد في القرآن، وزمزم لما شرب له، كل على حدة»، ويضيف: «لم يرد في نص شرعي استخدام الزيت للرقية، فجميع الأحاديث ذكرت منافع الزيت وغيره مع غير الرقية، لذلك فالقرآن بمفرده شفاء، قال تعالى: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين»، والآية لم تذكر العسل أو الزيت مع القرآن، ومن المفارقات العجيبة أن البعض يجعل للماء والزيت وغيرهما أسعارا مختلفة بحسب القراءة». الجلسة ب 18000 ريال الراقي خالد الجريسي يقول: «لست مع الرقاة ولا ضدهم، أنا مع الحق، والراقي الذي يضع الله نصب عينيه فيما يقدمه للناس، وقد ثبت في القرآن الكريم فضل زيت الزيتون في أكثر من موضع حتى أن الله أقسم بالزيتون، وفي الحديث الشريف أيضا ثبت في صحيح ابن ماجه قوله، صلى الله عليه وسلم،: «ائتدموا بالزيت وادّهنوا به فإنه من شجرة مباركة»، لذلك فالتداوي به مأخوذ من الطب النبوي والسنة الشريفة». ويؤكد الجريسي «أنا ضد الرقاة الذين يصفون زيت السمسم أو خلط زيت الزيتون بأي شيء معه، فقد وردت غالبية الأدوية مفردة، وكذلك كلام الرسول، عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى»، ويضيف: «كانت الرقية موجودة قبل الإسلام، وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يُرقون قبل الإسلام فأجازها الرسول، لكن في إطار القرآن والسنة، والرقية موجودة في كل الأديان ومعمول بها كل حسب دينه». وعن استخدام الماء، يقول: «هناك شروط لاستخدامه كدواء في الرقية، ففي قصة أيوب، عليه السلام، أمر الله نبيه أن يركض برجله، مبينا أن ذلك مغتسل وشراب قال تعالى: «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب»، وفيه شرط إلهي باستخدام الماء البارد، فالجن مخلوق من نار ولا يطفئها إلا الماء البارد». وحول ما يدور من أن هناك رابطا بين استخدامات الماء والزيت، والذكريات الشعبية الموغلة في القدم حول اللجوء للماء والزيت والتراب المقدس، يقول: «لا يوجد في ديننا مقدس سوى القرآن ففيه شفاء للناس». ومن واقع الحال هناك غلو في أسعار بيع تلك المنتجات لدى بعض الرقاة، يعلق عليه الجريسي قائلا: «كثيرون يقدمون الدواء لوجه الله دون مقابل مادي، والبعض الآخر حولها إلى تجارة، فهناك من يتقاضى 18 ألف ريال مقابل الجلسة الواحدة، لذلك أتمنى ألا يستغل الرقاة ضعف الآخرين برفع أسعار العلاج». ينتقدهم الحساد الشيخ ناصر الرميح يتطرق إلى الحكمة من استخدام الزيت والماء، قائلا: «الزيتون شجرة مباركة وثمرها كذلك، لذلك فهي زيادة في الخير، فإذا اجتمعت هي والقرآن فذلك خير كبير، أما الماء فقد ورد فيه حديث ضعيف برواية ابن أبي شيبة في مسنده من حديث عبدالله بن مسعود قال: بينما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه، فانصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال «لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره»، قال ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت»، وفيما يخص السدر لم يرد في الكتاب والسنة شيء عنه، لكنه متواتر بالتجربة وهو من نبات الجنة». وعن الأدوية التي تدخل في الرقية يقول: «هناك أدوية مباشرة تدخل في الرقية مثل العسل والماء العادي والحبة السوداء وزيت الزيتون وعود القسط الهندي والسناء المكي إضافة للسنوت، وفيها ما ورد فيه نص شرعي والبعض الآخر بالتواتر والتجربة»، ناهيا عن استخدام بعض الخلطات التي لها آثار جانبية وعدم البحث عن الخلطات السرية، فالتداوي لا يكون إلا بالأشياء الواضحة. ويوضح الرميح أحقية الراقي في تقاضي مبلغ مادي مقابل ما يقدمه من دواء، منتقدا من يتضجرون من ذلك: «يتحمل الراقي تكلفة شراء المواد، والبحث عن عامل يرتبها، ويستأجر من أجل ذلك مستودعا لتخزينها، إضافة إلى أنه يقضي بشكل يومي ما لا يقل عن ساعتين من أجل القراءة على الأدوية، وهذه الأمور تحتاج إلى عمال ووقت، ولكن يجب على الرقاة عدم المغالاة في قيمتها». ويضيف: «من ينتقدون الرقاة إما حساد أو لا يعرفون واقع الراقي، والدليل أنهم لم ينبروا أو يحتسبوا العمل في هذا المجال، لأنهم باختصار شديد يعلمون أنه لا عمل بلا عوائد مادية». وطالب الرميح بوضع لجنة تقنن عمل الرقاة، حيث إن اللجنة المشكلة حاليا لا تعرف شيئا في أمور الرقية لأنه يوجد في عضويتها راق، ويضيف: «لا بد للرقاة أن يكون لديهم دورات في الإسعافات الأولية، وهذا ما يفتقده الكثيرون، فبعض المراجعين يعانون أمراضا صحية لا علاقة لها بالرقية مما قد يؤدي إلى مضاعفات تكون نتائجها مميتة»