بعد وقوع المصائب والتورط في الكوارث، يفتح الأمل دائما، أمام الإنسان أبواب الحياة من جديد.. فالمؤمن لا يقنط من رحمة الله (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).. وفي عالم الإدمان والمدمنين، قصص كثيرة، تحمل في طياتها الغرابة والإثارة.. كما تحمل كثيرا من العظة والعبرة.. هؤلاء استطاعوا بإرادتهم القوية، وعزيمة وإصرار المحيطين بهم، واحتضان المجتمع لهم، أن يتعافوا، ويستأنفوا مسيرة العطاء عبر الحياة المنتجة، ويعيشوا بين صفوف الأسوياء، ويتزوجوا وينجبوا ويبنوا حياتهم مرة أخرى. مجمع الأمل للصحة النفسية، كان هو الباب الذي عاد منه المتعافون إلى آفاق الحياة الرحبة الجديدة.. "شمس" التقت عددا من المتعافين، الذين رووا تجربتهم مع الإدمان، بما فيها من ظلام ومرارة ومعاناة، وبيَّنوا كيف أشرقت شمس الحياة في آفاقهم، تبث الأمل في قلوبهم من جديد. (نكتة) سبب إدماني التقينا في البداية (م. ق. متعافٍ من الإدمان فضَّل عدم ذكر اسمه أو ظهور صورته)؛ ليتحدث عن تجربته، فقال: "بداية إدماني كانت عن طريق أحد أصدقائي، حيث كنا نجوب الشوارع من بعد صلاة العشاء إلى ساعة متأخرة من الليل، ونتعرض لكثير من المواقف، منها الطريف ومنها الصعب". ويضيف: "في أحد الأيام كنا نتداول (نكت الحشاشين)، وكيف يستطيع المحشش أن ينتقل من الموقف بمنحنى طريف". ويذكر: "عندها فتح صاحبي موضوع التجربة، فما كان مني إلا موافقته على ذلك، وقام بمكالمة أحد أصدقائه، وطلب منا أن نزوره في منزله، وعندها بدأت التجربة". ويقول (م.ق): "كنت أشعر في داخلي بالندم والخوف من هذه التجربة، الا أن الغريب في الأمر أنني لم أمتنع، بل واصلت التجربة". ويقول: "استمر الحال إلى أن فصلت من عملي بسبب تأخري الدائم، وعدم اهتمامي بمظهري ومزاجيتي الصعبة". ويوضح: "اكتشفت أنني إن عملت، أم لم أعمل فهي سيان؛ بحكم أن مرتبي يذهب منه ما يقارب ال95 في المئة لشراء الحشيش، وما تبقى منه يبقى مصروف سيارتي، ومصروفي". ويذكر: "بعد أسبوع فقط أحتاج إلى مبالغ، فأقوم بأخذها من والدتي، التي كنت أعطيها مبالغ شهرية قبل إدماني". باب الأمل ويقول: "ضاق بي الحال، وبعد ثلاثة أشهر من دون عمل، كنت ألجأ إلى خالي، الذي هو من سني، وأعتبره صديقي وآخذ منه مصروفي ومصروف الحشيش، حيث كان لا يعلم عن إدماني، ويعتقد أنها أزمة نفسية أمرّ بها، فقد كان شديد التعاطف معي". ويضيف: "في يوم ما قررت أن أصارحه، بعد أن تضايقت مني والدتي؛ بسبب سهري خارج المنزل، وبسبب أن صاحبي بدأ يبتعد عني، بعد فصلي من العمل، حيث كنت أوفر لي وله الحشيش، وأصبحت علاقتي بكثير من الأشخاص سيئة، خصوصا أن كثيرا منهم يعلم إدماني، بل أصبحوا يعايرون والدتي بي". ويؤكد: "صُعق خالي عندما علم أنني آخذ منه المبالغ لشراء الحشيش، وأخذ والدتي وتركني في المنزل وحيدا، وبعد يومين جاء ومعه اثنان من أصدقائه، ودخلوا عليّ الغرفة، دون أن أعرف، وأراد هو وصديقاه أن يأخذوني للعلاج، وحيث إنني كنت منهارا بسبب كثرة بكائي وندمي من إدمان الحشيش، فلم أقاوم وذهبت معهم بكل هدوء". ويقول: "بفضل من الله.. ثم بجهود مجمع الأمل للصحة النفسية، استطعت أن أعود إلى سابق عهدي، ورزقني الله بوظيفة أفضل من وظيفتي السابقة، وبدأت بمناصحة أصدقاء الحشيش، وأقنعت أحدهم وهو الآن يتعالج من الإدمان في المستشفى". ويوجّه (م.ق) نصيحته إلى كل من يفكر في تعاطي المخدرات وإلى كل مدمن، أن نهاية الإدمان هي الموت والخزي الكبير في الحياة "حيث إن الكل سيبتعد عنك، حتى أصدقاء السوء أيضا سيبتعدون عنك، بمجرد انتهاء المال الذي لديك، (يعني الموضوع مصلحة)، ولعل الفرق الذي يشعر به المدمن المتعافي هو ذاته الفرق بين الحياة والممات". والدي.. والمخدرات يحكي (س.ع) قصة أكثر غرابة وإثارة وإيلاما، ويقول: "بدأت الإدمان بتشجيع من والدي، الذي كان يسمح لي بتعاطي المسكر والحشيش وحبوب الكبتاجون معه". ويؤكد: "كان هو من يعطيني إياها". ويوضح: "بعد فترة أصبحت أعطي مرتبي كله لوالدي، لكي يستمر في جلب ما نتعاطاه، ومع مرور الأيام أصبحت أسرق من خزانة عملي مبالغ أكثر؛ لكي أقوم بشراء المخدرات من والدي، الذي تحجج بارتفاع أسعارها، إلى أن كشف أمري في العمل، وقاموا بفصلي". ويقول: "أصبحت أذوق الويل والمرار بسبب والدي، فقد حرمني من المخدرات؛ بسبب عدم وجود مبالغ مالية لدي، ثم هرب من المنزل؛ بسبب كثير من المطالبات المالية كانت عليه". ويذكر: "أصبحتُ العائل الوحيد للأسرة، حيث إن أشقائي الأصغر مني طلاب مدارس . مما زاد في صعوبة الأمر عليَّ وعلى عائلتي؛ لأنني بلا عمل، وهكذا تدخل فاعلو الخير، وقاموا بالتكفل بالمنزل والعائلة، إلى أن منَّ الله عليَّ بالشفاء، بفضل الله.. ثم بفضل شقيقي الأصغر الذي أجبرني على الذهاب إلى مجمع الأمل". ويؤكد: "بمجرد أن تعافيت اهتديت وأعلنت توبتي لله عزَّ وجلَّ، وصرت أستغفر الله ليل ونهار، لكي يغفر لي، ويهدي والدي إلى طريق الصواب". ويقول (س.ع): "كنت أفكر دائما ماذا كنت سأفعل فيما لو كانت خاتمتي موتا بسبب المخدرات، أو انتحارا، أو قضاء ما تبقى من عمري في السجن؟.. وماذا سيكون حال أسرتي فيما لو جلبت لهم العار؟.. لكن أشكر الله على هدايته لي". احتضان المتعافي من جانبه يقول الدكتور إبراهيم الصيخان، مدير إدارة التدريب التربوي والابتعاث والحاصل على الدكتوراه في التوجيه والإرشاد النفسي: "نظرة المجتمع للشخص المتعافي لا تزال للأسف سلبية". ويضيف: "يجب أن تتغير هذه النظرة من باب أن المتعافي أخطأ وعاد إلى طريق الصواب، ويجب أن يتم احتضانه بالشكل الصحيح، وأن ينصهر مع المجتمع؛ لضمان عدم عودته إلى أصدقاء السوء مرة أخرى". ويؤكد الصيخان: "بكل بساطة.. الأسوياء إن لم يحتضنوا المتعافي، فسيحتضنه أصدقاء الشر ويعود إلى الإدمان مرة أخرى". ويذكر الصيخان، أن "المتعافي أخذ عقابه من الألم ومرارة الإدمان والندم على ما فعله". ويقول: "أنا أعرف بصفة شخصية حالات منّ الله عليها بالشفاء من الإدمان، بعد أن كاد يعصف بحياتهم، وعادوا إلى الحياة بشكل طبيعي، وتزوجوا وأنجبوا وأصبحوا آباء صالحين". وفيما يخص الوظائف، يوضح الدكتور الصيخان، أن "الدولة تصرف على المتعافي مبالغ طائلة، من خلال تجهيز مراكز التداوي من المخدرات، ونشرات التوعية وغيرها، وهنا أحب أن ألفت نظر المجتمع إلى أمر مهم وهو أن الدولة ترعى المتعافي وتحتضنه وتغفر له زلته وتسامحه، بدليل أنه في نظام السعودة يحسب المتعافي بموظفين اثنين". ويتساءل متعجبا: "فما بال المجتمع لا يحتضن الابن المتعافي؟!".