رغم الظروف التي وقفت ﺃمام تعليمهم في بادئ الأمر، إلا ﺃنهم التحقوا بركﺐ المتعلمين على كبر، ورغم ﺃنهم استطاعوا تذليل المعوّقات المتعددة وقتية كانت ﺃم ﺃسرية ﺃم اجتماعية، إلا ﺃنهم ظلوا عاجزين ﺃمام عقبة واحدة استطاعت ﺃن تقضي على آخر آمالهم، تتمثل في عدم وجود البيئة التعليمية المناسبة، هذا حال طلاب تعليم الكبار في الرياض! في المدرسة ذاتها يذكر سعود العزيﺐ الذي انتقل لتوه من مدرسة ﺃخرى بحثا عن ﺃجواء ﺃفضل "هربت من الزحمة إلى مدرسة الجويني لأكتشف ﺃني كمن (استجار من الرمضاء بالنار) فنحن هنا نتلقى التعليم على ﺃنغام طرقات النجارين والبنائين الذين يشتغلون في الفصول ﺃثناء تواجد الطلاب فيها"! ورغم هذه المعوّقات في البيئة التعليمية بهذه المدرسة إلا ﺃن العزيﺐ لا يفكر في الانتقال منها "بقائي هنا لعدم وجود البديل لي، فلا خيار ﺃمامي إلا مدرستان حكوميتان فقط! ما يضطرني إلى تحمل الإهانات المتوالية لنا من الإدارة رغم ﺃن هناك من الطلاب من هو في عمر آباء المعلمين"! . "اليوم ذبحت طموحاتي"! بهذه العبارة يستفتح العم محمد الحسن حديثه المحزن، برغم ما عرف عنه من صبر، وجَلد، وعزيمة! "لست كسولا، وخير شاهد على هذا هو ما حققته سابقا، فقد التحقت بالصف الأول الابتدائي، وعمري يناهز ال، 50 وظللت ﺃدرس، وﺃدرس رغم ضيق وقتي الموزع بين مدرستي، وعملي، وﺃسرتي الكبيرة، إلا ﺃني - بفضل اﷲ - استطعت ﺃن ﺃتفوق، وبشهادة الجميع"! إذا كان شظف العيش هو ما اضطر الحسن منذ الصغر إلى طلﺐ الوظيفة وترك فصول الدراسة، فهناك ﺃيضا ﺃسباب دفعته للعودة إلى الكتاب، والدفتر، والقلم، "منذ ﺃن دخل ابني البكر المدرسة، وﺃنا ﺃشعر بحاجتي إلى التعلم، كان يأتيني بكتابه، بدفتره، بشهادته، يريدني ﺃن ﺃقرﺃها فأ عجز عن فهم ما فيها من رموز مكتوبة، إضافة إلى ﺃني قد ﺃدخل عند بائع الصحف فتجذبني صورة حدث ما في الجريدة، فأتحسر لأني لا ﺃستطيع قراءتها كالبقية" لم يكن الحسن ليسكت على عناء الأمية؛ لذا قرر الالتحاق بالمدرسة رغم سخرية البعض مما هم به وعزم عليه، "قررت ﺃن ﺃتعلم! لا ﺃدري لمَ فرت دمعة زوجتي حين ﺃخبرتها بهذا القرار! كانت خير عون في حين ﺃخذ البعض يردد: (يوم شاب ودوه الكتاب"). واصل الحسن دراسته، غير مكترث بما يقوله المحبطون، فاجتاز الابتدائية، وانفتحت شهيته للتعلم فنال المتوسطة، ثم ذهﺐ ليلتحق بالثانوية، لكنه انسحﺐ منذ ﺃول ﺃسبوع فقط! "ﺃنْ يقف المجتمع في طريق تعلمك فهذا محبط، لكنه ﺃمر تستطيع تجاوزه، ولكن ﺃن يقف ﺃمام تعلمك من يفترض ﺃن يمد لك يد العون فتلك قاصمة الظهر، وهذا ما وجدته في المدارس الليلية للمرحلة الثانوية " لم يكن صوت العم محمد الحسن الوحيد المحبط، الذي توقف ﺃمام عقبة الثانوية "شاءت الأقدار ﺃن ﺃتوقف هنا، عند مرحلة الأول الثانوي، فقد طردت"! بهذه العبارة المحبطة يبدﺃ الطالﺐ طلال العبيان معاناته، في إحدى المدارس الليلية بالرياض "رغم ضيق وقتي، إلا ﺃني ﺃصررت كبقية هؤ لا ء ا لطلبة على إ كما ل تعليمي؛ هر با من مستنقع الجهل، ولكن تكسرت مجاديف العزيمة لدي ﺃمام هذه الأمواج من العشوائية! فحين قبلت في ثانوية الجويني، اعتقدت ﺃنه لم يعد يفصلني عن تحقيق حلمي للالتحاق بالجامعة سوى سنوات قلائل، ولكني فوجئت بأن ليس هناك سوى فصلين فقط! يرزحان ب200 طالﺐ، إضافة إلى ضيق المكان، وقلة الطاولات؛ ما يضطر البعض منا إلى الوقوف على قدميه لحضور الحصص! وفينا كبار سن قد ﺃثقلتهم الأمراض المزمنة من ضغط وسكر "! ويختم العبيان بذكر بعض القرارات التي لم يسمع بها في غير هذه المدرسة" من يتغيﺐ هنا خمس حصص يفصل! ومن يحضر الحصة واقفا يعد غائبا، ومن ينجح من مرحلة فعليه ﺃن يسحﺐ ملفه ويقدم من جديد للعام التالي "! .