أصبحت شوارع مشعر منى عامرة بألوان من الحجاج ذكورا وإناثا من ضيوف الرحمن الذين انتشروا على أرض المشعر المقدس كخيوط بيضاء وسوداء تنساب من الجبال والجسور إلى الأودية والخيام. الكل يزحف ببطء وينتشر كخيوط الفجر ليملأ المكان، «شمس» التقت بعدد من حجاج بيت الله الحرام في مشعر منى، حيث لم تقف الإعاقة ولا الأمراض ولا الشيخوخة حاجزا أمامهم ولم تعرقلهم من أداء النسك الخامس من مناسك الإسلام فقد ظلوا طيلة السنين يجمعون المال سواء من حقولهم التي في بلدانهم أو أعمالهم هناك فقد حرص عدد من الحجاج من العجزة والمرضى على أداء الفريضة وزيارة الأراضي المقدسة قبل الرحيل من الحياة الدنيا ممتثلين لقول الله تعالى «ولله على الناس حج البيت».. فتلاحظ عددا من كبار السن على مقاعد متحركة يرافقهم أفراد من عائلاتهم وذويهم متحملين التعب والازدحام والمشقة من أجل أن يظفروا بالحج وفي أودية منى انسابت دموع الحجيج حينما وطئوها للمرة الأولى في حياتهم. الحاج شمس خان الذي تجاوز الثمانين من عمره يبين أنه مقعد ولا يستطيع الحركة، حيث لا يتحرك إلا بواسطة الكرسي المتحرك ويساعده في ذلك أحد أحفاده الذي أتى معه لأداء مناسك الحج، مشيرا في الوقت ذاته أنه للمرة الأولى يؤدي نسك الحج، حيث إنه قام ومن خلال مزرعته التي يملكها في بلاده بجمع الأموال طيلة فترة حياته لكي يتمكن من أداء مناسك الحج ورؤية الكعبة المشرفة وزيارة المسجد النبوي والوقوف في رحابهما الطاهرة، وكذلك مشاهدة المشاعر المقدسة فالحمد لله على أنني استطعت أن أحقق ما كنت أتمناه وظفرت بها هذا العام فالحمد لله أنا اليوم أردد لبيك اللهم لبيك داعين الله أن يغفر لنا ويرحمنا في هذا اليوم الفضيل. وفي طريقنا التقينا بالحاج حسين عبدالغفار الذي يبلغ من العمر «85» خريفا يقول إنه ظل يحلم طيلة عمره بأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة وفي هذا العام تحقق الحلم وما أن وطئت قدماه البلاد الطاهرة حتى انهالت دموعه وانسكبت العبرات منه بغزارة فرحا برؤية الكعبة المشرفة، فأنا كما ترى تقدم بي السن وبي العديد من الاعتلالات الصحية فإنني أتمنى أن أموت في هذه الرحاب الطاهرة وتكون خاتمتي فيها، مشيرا إلى أنه أوصى حفيده الذي يرافقه في رحلة الحج بأن يدفن في مكةالمكرمة حال وفاته فحسب قوله أشعر براحة كبيرة وأنا أسابق خطواتي لمشعر منى ومشاهدة المشعر بالعين المجردة لا بالصور أو عبر التليفزيون، فأنا لست مستوعبا ولست مصدقا نفسي بأنني الآن في منى وأشهد يوم التروية وأقول لبيك اللهم لبيك.