يغادرون المكان رافعين أيديهم يلوحون بالرحيل، وعلى وجناتهم تنساب دموع الفراق، خمسة أيام قضوها في المشاعر المقدسة تمثل قرونا في ضيافة الرحمن، مودعين أطهر بقاع الأرض عائدين لديارهم بعد أن سقطت ذنوبهم ورجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم. تغادر أفواج الحجيج مشعر منى بعد تعجلهم ورميهم للجمرات الثلاث متوجهين إلى المسجد الحرام يؤدون طواف الوداع ليغادروا عبر رحلاتهم المقررة سلفا، رغم أن غالبيتهم يتمنون أن تكون هذه ديارهم ليسكنوا أقدس بقعة في الأرض. ولم يغفل ضيوف الرحمن عند مغادرتهم المشاعر المقدسة أن يوثقوا صورهم وذكرياتهم ويضعوا بصمتهم في مذكرات تاريخهم بزيارتهم للأراضي المقدسة وأدائهم النسك وهم فرحون بما رزقهم الله من توفيقه بأن يسر لهم أداء النسك، ليعودوا لأسرهم محملين بالصور والهدايا التي لا يمكن أن تجدها في غير هذا المكان والزمان. تحول المنظر في المشاعر المقدسة من ملابس بيضاء، وأصوات الحجيج (لبيك اللهم لبيك) إلى خيام فارغة ترثي نفسها بمغادرتهم منتظرة عاما مقبلا لتستعيد حيويتها وجمالها الذي سطع في بقاع الكرة الأرضية شاهدا على تمكن البقاع الطاهرة من معانقة أكثر من 3 ملايين حاج وسط طمأنينة وسكينة، تحفهم رحمه الله ورضوانه، وتحميهم أعين رجال وعدوا الله ما عاهدوه. ولن تلبث هذه المشاعر المقدسة لساعات قليلة حتى تعود ارتال الآليات الكبيرة مبشرة بمشاريع جديدة بتوجيهات الحكومة الرشيدة لتطبيق مشاريع جديدة همها راحة ضيوف الرحمن، وتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية للنهوض بالخدمات المقدمة ولتعطي إضافة لما يسهل على حجاج بيت الله أداء نسكهم بكل راحة وسكينة كأنها تقول لهم «نبسط لكم كفوف الراحة لتتفرغوا لأداء النسك دون أن تجدوا ما يعكر صفوكم».