رغم مرور ثلثي شهر رمضان، إلا أن بعض الأسر مازالت تبحث عن أفرادها الغائبين عن سفر الإفطار، سواء بمحض إرادتهم أو بإرادة العمل. ومع أن رمضان عرف بأنه شهر التلاحم والترابط، ويسعى من خلاله الغائبون للعودة إلى أعشاشهم ولو لفترة مؤقتة خاصة في فترة الإفطار، إلا أن كثيرا من رجال الأعمال لا يتنبهون لخطورة العزوف عن ذلك سواء سلوكيا في حياة أسرهم، أو نفسيا في حياتهم الخاصة. ولم تكن كلمات الشيخ الداعية عائض القرني ل «شمس»، والتي أعلن فيها أنه لا يرغب في تلبية دعوات على الإفطار خارج محيط أسرته، إلا تأليب لأوجاع الكثير من الشباب الباحث عن روحانيات رمضان في محيط الأسرة، معبرين عن ألمهم للحالة التي يعيشونها، ومؤملين أن يتغير حالهم إلى حال يماثل ما يسير عليه الشيخ عائض القرني. ولم يتردد نجل مسؤول شاب في العشرين من عمره، في كشف ما يعانيه وأسرته من غياب والده عن مائدة الإفطار منذ بداية الشهر. واعترف نجل رئيس تحرير إحدى الصحف بأنه لم ير والده على مائدة الإفطار منذ حلول الشهر المبارك، وزاد: «لا أعتقد أنه لم يغير في طبعه أو جدوله اليومي المزدحم، بل كل شهر رمضان مر على الأسرة يرتبط والدي بالعديد من العزائم التي تبعده عن الأسرة، وأعتقد أن حاله لا يختلف عن الكثيرين الذين يرون في تلبية الدعوات واجبا وضرورة قصوى ولو على حساب أسرهم». وأفاد بأن أسرته لا تجتمع على مائدة واحدة حتى في الأيام الاعتيادية أكثر من أربع مرات في الشهر: «كنت أحلم أن نجتمع بشكل متكرر، ويتغير الحال في رمضان، لكنه كسائر الشهور، وعلى كل أسرة أن تتنبه لهذا الجمع، لما فيه من منافع عديدة». ويرى الشاب علي القرني أن الفوائد التي تعود على أفراد الأسرة من اجتماع الإفطار: «لا يمكن حصرها، فهي تعيد الدفء للأسرة، ويناقشون العديد من الأمور التي تهم شأنهم ومسيرتهم، وهذا الاجتماع ينتج عنه عادة تقوية ترابط الأسرة، وذلك من خلال طرح كل فرد من الأسرة مشكلاته التي يعانيها في محاولة لإيجاد الحلول، وبالتالي سيخرج الجميع بالكثير من الفائدة». وذكر أن هناك الكثير من العائلات التي لم تنعم بهذا الاجتماع الرئيسي، حيث أعرف الكثير من الأصدقاء الذين لا يهتمون كثيرا بهذا الاجتماع، ويسابقون الغير في اللجوء إلى المطاعم، متناسين أهمية ودور هذا الاجتماع على الروابط الأسرية، ويتهمون من يجتمع مع العائلة بالتقليدي الذي لم يواكب العصر الحديث. ويعتقد الشاب حمد الرشيدي أنه محظوظ لوضع أسرته التي غالبا ما تجتمع على السفرة الرمضانية: «وذلك يزيد من التلاحم الأسري، وأتحسر على وضعية أسر أعرفها لا تجلس على مائدة واحدة مرة في الشهر بأكمله، لكنني أرى أنها بداية التفكك الأسري». وتشير الفتاة أمل يحيى، إلى أن تغييب هذه العادة في الشهور الاعتيادية ربما يكون مقبولا، بحكم ظروف العمل والدراسة: «لكن في رمضان يجب أن يتغير الواقع إلى مغاير، فربما حل رمضان التالي ونقص عدد الأسرة، فلماذا تضييع الأوقات في ليالي معدودات». وبينت أنه: «أعرف عددا من الأسر تعاني هذا الغياب، والذي ربما يمكن تداركه في اللحظات الأخيرة، والأسر التي لا يجمعها رمضان، اعتادت الفراق وعدم الترابط والانسجام، فمن هم على هذه الحال أرى بشأنهم التفكك وانعدام العواطف الأسرية، وعليهم بالتفكير مليا لتحسين وضعهم الأسري فمشاغل الحياة مهما بلغت عليها ألا تحرمنا من دفء أسرتنا وروحانيتها». ورغم أن الفتاة الجامعية هبة علي، تعترف بأن حالها لا يختلف كثيرا عن نجل المسؤول، إلا أنها ترى أن رمضان هو الشهر الوحيد الذي يعيد للأسرة التفافها حول مائدة واحدة: «ربما لا نجتمع كثيرا حول مائدة واحدة، إلا أنه في شهر رمضان يختلف الواقع كثيرا، فيجتمع الجميع ويتخلون عن كل ما يصرفهم عن المائدة الموحدة». من جانبه، حذر رئيس قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود الدكتور حميد الشايجي من ابتعاد أفراد الأسرة عن الاجتماع معا على سفرة الطعام، معتبرا إياها بالظاهرة غير الصحية والخطرة في نفس الوقت. وتساءل إذا كانت الأسرة لا تستطيع التجمع حول مائدة واحدة في رمضان، فمتى تجتمع؟ متوقعا التفكك الأسري لكل أسرة لا تستغل نفحات الشهر الكريم، أما الداعية محمد سرار اليامي، فيؤكد أن: «شهر رمضان فرصة لتغيير أولئك الأسر التي يعاني أفرادها من التفكك، فهو شهر الترابط، وعلى الآباء والأمهات الالتزام بالاجتماع على وجبات الطعام، لأن الأسرة لن تجتمع في باقي الشهور إذا لم تجتمع في رمضان». وأشار إلى أن صلاح المجتمع مرهون ومرتبط بصلاح الأسر، وأنصح كل فرد باستشعار هذا من خلال تهذيب النفس والصفح وصلة الرحم، ومشاركة الأهل في كافة المناسبات والحضور معهم وعدم ترك الباب مفتوحا للشيطان وأعوانه، ليتحقق التكامل الأسري العظيم، حيث سيكون ذلك عونا للعبد في تحقيق النجاح في حياته بعد رضا الله ثم رضا الوالدين» .