لم يكن التصوير يوما ما مهنة، بالقدر الذي ينظر له الكثيرون على أنه هواية، ربما تجسد ما ترى العين، وتختزن ما يمر بالأشخاص من ذكريات مكانية وزمانية، إلا أن الأمر تغير بين ليلة وضحاها، أو بالأحرى بين عقد وآخر، وجيل وثان. في جدة عاش الكثير من الشباب والشابات الاختلاف والفارق، حتى فيمن يتخذون التصوير الفوتوجرافي احترافا، ناهيك عمن يتعاطون معها على أنها مجرد هواية. هناك تجمع عدد من الهواة والمحترفين، حيث الهدف الواحد، تغيير مفهوم التصوير إلى وسيلة لتحقيق غاية أكبر، فيما الوسيلة كانت معرضا يبرز تلك الجوانب. على الرغم من صغر سنها وضعف خبرتها إلا أنها قررت أن تشارك الأخريات في العمل وصولاً إلى احتراف الهواية وتحقيق طموحها رغبة في إيصال رسائلها الإيجابية للمجتمع. «سيرين» عمر سلطان طفلة ذات 10 أعوام، خاضت بنفسها مهارة التصوير الاحترافي، وقررت أن تتجه إلى تصوير القيم والأخلاقيات، وتجسيد أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام من خلال بعض اللقطات التي تحرص على التقاطها من أجل أن يفهم كل من يشاهد الصور ماذا تعني هذه الأحاديث. سيرين لا تمتلك حتى الآن كاميرا خاصة بها، لكن ذلك لم يجعلها تتوقف في مسيرتها، أو تتقاعس عن حلمها، إنما تستعين بالكاميرا التي تملكها أختها الأكبر، مؤكدة لنفسها قبل الآخرين أن: «حبي الشديد للتصوير خصوصا ما يتعلق بتصوير رجل يصلي أو يقرأ القرآن، وأحيانا تصوير الكعبة المشرفة ومسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، يجعلني أتشجع لتصوير هذه المناظر حتى لو لم أكن أمتلك كاميرتي الخاصة»، مشيرة إلى أن: «غير المسلمين لو شاهدوا بعض الصور التي نلتقطها وتكون معبرة عن الإسلام لعلموا جيدا أن هذه عبادة المسلم من غير أن نتحدث معهم بكلمة واحدة». «سيرين» كانت إحدى المشاركات في ورشة العمل الخاصة بالتصوير الفوتوجرافي والتي قام بتنظيمها فريق «تصويري عبادتي»، حيث يستعد الفريق لتنظيم أول معرض مصور له خلال الأسابيع المقبلة، ويهدف الفريق إلى إيصال رسالة عالمية تظهر للناس القيم الجميلة، لأن الكلمات في كثير من الأحيان لا يمكن أن تصف هذه القيم، فمن خلال الصورة الثابتة يحاولون أن يسهموا في نشر هذه القيم. تصوير القيم والمعاني تنوعت فعاليات ورشة العمل لتبدأ بمحاضرة قدمها أحد المصورين شرح فيها فكرة تصوير القيم والمعاني، كما عرض بعض اللقطات لمصورين محترفين أظهروا من خلالها أفكارا لها معان عميقة، وقارن بينها وبين لقطات أقل احترافية لا ترقى إلى إيصال رسائلها للناس، بعدها بدأ الحضور مرحلة العصف الذهني وابتكار أفكار لتصويرها على أرض الواقع والاستعانة ببعض الأشخاص لتمثيل هذه الأدوار. إحياء القيم رئيس مجلس إدارة فريق «تصويري عبادتي» سمية فطاني أوضحت ل«شمس» أن نتائج ورشة العمل سينتج عنها المعرض الأول لفريق «تصويري عبادتي»: «نحن لا نقصد من مسمى الفريق مرجعية دينية، إنما فلسفتنا أن أي إنسان من أي ديانة يحاول أن يربط ما يقوم به من أعمال يومية بالعبادة، ومن هنا جاءت تسميتنا للفريق، فنحن نحاول أن نربط هواية التصوير لدينا بالإيمان والعبادة، وأشارت سمية إلى أن الفريق يحتوي على 15 فتاة من هواة التصوير الفوتوجرافي، بالإضافة إلى بعض الأسماء من الشباب المصورين». وأكدت فطاني أن القيم والمعاني في الإسلام هي التي جمعت أعضاء الفريق مع بعضهم بعضا: «فجميع المصورات حريصات على أن يحيين للمجتمع القيم والأخلاقيات التي دعا إليها ديننا الإسلامي فقط بعدسة كاميرا، وفكرة تسهل وصول الرسالة إلى المشاهد»، مشيرة إلى أن المعرض المقبل سيكون مخصصا للصور التي تتحدث عن القيم. كما أوضحت أنه في هذه الورشة: «حرصنا على أن نوفر لجميع الأعضاء آلات التصوير المناسبة والاستوديوهات والموديل، لأنه من الصعب أن تجد فتاة تخرج إلى الشارع وتقوم بعملية التصوير، فحرصنا أن نوفر هذه البيئة في مكان معين لتتمكن الفتاة من القيام بمهمتها في التصوير لتخرج منتجا يستحق أن يعرض للناس». لا نطبق القيم واعتبر المصور أحمد جميل حلواني، 32 عاما، أن كثيرا من المصورين يعتمدون في أغلب صورهم على المناظر الطبيعية والجماليات بشكل كبير: «نحن نحاول دائما تجميل المنظر الذي نراه، ونحاول لفت نظر الناس بالجمال، إلا أننا هذه المرة أردنا لفت أفكار الناس إلى القيم والمعاني من أجل أن يفكر فيها ليس لأجل المتعة النظرية فقط»، موجها عتابه إلى المسلمين خصوصا: «نحن أكثر من يدعو الناس إلى القيم والأخلاقيات الحميدة، إلا أننا من أكثر الشعوب ابتعادا عنها، فنحن أحوج إلى بث هذه القيم لتطبيقها في حياتنا ومجتمعاتنا». صورة وهدف دفع المعرض عددا من المصورات المشاركات في الورشة، لإبداء رغبتهن في احتراف هذا النوع من التصوير، مؤكدات أنهن وجدن في المهنة ما يمكن أن يحقق لهن الذات، وأنهن وجدن فيها معاني عظيمة يمكن غرسها في نفوس الناس والأثر البالغ الذي قد توصله صورة واحدة فقط. وعلى النحو ذاته ترى المشاركة منى ملياني «21 عاما»، أنها: «توجهت لتصوير القيم لأنني شعرت بأن هناك هدفا من كل صورة أقوم بتصويرها، بعكس السابق لم أكن أشعر بأي هدف غير الجمال فقط، وسرعان ما تفقد هذه الصورة أهميتها، وحاليا أشعر بأن لكل صورة قيمة وهدفا ومعنى تحفزني لتصوير مناظر أكثر». وأوضحت ملياني أن: «أكثر القيم التي أحاول تصويرها هي القيم التي حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحاول تجسيد هذه الأحاديث على شكل صورة معبرة تسهم في إيصال الفكرة إلى الناس بشكل أسرع، وكثير من الناس ليسوا قريبين من الدين والالتزام، فأحاول من خلال عدسات كاميراتي أن أوصل لهم هذا المعنى من خلال صورة واحدة تكون معبرة أكثر». مشاركة موديل ولم يختلف الوضع مع المشارك عبدالله الخطيب «12عاما»، الذي كان دوره في الورشة «موديل» وهو الذي يقوم بتمثيل الأدوار ليأتي المصور ويلتقط الصور الفوتوجرافية المناسبة له. ويعود عبدالله بالذاكرة إلى أيام ماضية، كان لا يعشق فيها التصوير الفوتوجرافي: «إلا أن أختي التي تكبرني تحب التصوير، بالإضافة إلى بعض المسابقات التصويرية التي تقام داخل مدرستي، والتي حفزتني على التوجه إلى عامل التصوير»، مشيرا إلى أنه كان يمثل بعض الأدوار في المسرح، وهذا ما جعله قادرا على أن يكون «موديلا» في هذه الورشة التصويرية .