لم يجد بعض التربويين غضاضة من استخدام فنون السينما داخل مدارس الأطفال كأسلوب جديد من أساليب تلقين الطلاب العلم والتطرق إلى الآداب والسلوكيات اليومية بقالب ترفيهي يمكن الطلاب، خصوصا الأطفال، من تقبل الرسائل الإيجابية وتطبيقها في حياتهم العامة. كما لم يجد كثير من علماء الشريعة حرجا شرعيا من تطبيق أجواء سينمائية داخل حقل طلاب العلم، شريطة أن تكون وفق شروط ومعايير لا تخالف الشرع مطلقا. فيما أبدى بعض معلمي المدارس استحسانهم للفكرة، وطالبوا بضرورة تطبيقها داخل مدارسهم؛ لما تحويه من تنمية مواهب الطلاب في كيفية استخلاص الفوائد، إضافة إلى انتقاد المادة المعروضة إن دعا الأمر ذلك. وجاءت ردود الأفعال هذه بعد إعلان إحدى مدارس رياض الأطفال، تحتفظ «شمس» باسمها، نيتها تقديم حصة أسبوعيا بطابع سينمائي، حيث وفرت المدرسة قاعة تشبه إلى حد كبير قاعات السينما العالمية تحتوي على «شاشة بروجكتر»، مزودة بكراسي متراصة بنفس أسلوب القاعات السينمائية؛ حتى يتمكن الأطفال من متابعة «أفلام تعليمية». فشار وحلوى وأوضحت معلمة السينما ث.س أن الفكرة نشأت من منطلق الفائدة والمتعة حيث حاولنا أن نجمعهما سوية في مدرسة احتضنت الأطفال بغرض زرع وغرس القيم الإسلامية في أذهانهم بشكل يكفل لتلك العقول الصغيرة أن تنبت نباتا حسنا. وبينت أنه «انتهجنا نهج المشاهدات التلفزيونية، إلا أننا أضفنا عليها قولبة جديدة في طريقة العرض بأسلوب مشوق يشد انتباه الأطفال دون شعورهم بالملل، حيث يتم عرض قصص للأنبياء إضافة إلى عرض آداب وسلوكيات للطفل المسلم». وحول استخدام أفكار جديدة شرحت أنه «لمزيد من التشويق فضلنا أن يقدم لكل طفل قبل بدء العرض علبة فشار أو حلوى حتى ينشغل الطفل بكامل المتعة مع مشاهدة البرنامج، الذي لا تزيد مدة عرض الفيلم عن نصف ساعة، وفي نهاية العرض تتحاور المعلمة مع الطلاب وتسألهم عن أبرز ما استفادوه من تلك المشاهدة، وبذلك يتعود الطفل على ذهن متقد ويكون حاضر البديهة». قولبة سينمائية وأكدت معلمة السينما أن الفكرة ليست قاعة سينما كما هو معروف إنما هي أجواء مقاربة للسينما «لاقت الفكرة استحسانا من جميع معلمات المدرسة، وبالأخص من مديرة المدرسة التي تفاعلت مع الفكرة، وطالبت بتفعيلها بشكل عاجل، فيما أعمار الطلاب المشاركين تترواح بين 3 سنوات إلى 5 سنوات»، مشيرة إلى أنه جاءت فكرة إطفاء الأنوار أثناء متابعة الأفلام حتى يكون التركيز مع العرض أعمق، مبينة أن هذا الشكل التعليمي متقولب بشكل سينمائي إلا أنه خادم للتربية والدعوة. خصائص الطفل لكن المتخصص التربوي الدكتور يزيد أبو ملحة، طالب بضرورة أن تتناسب المواد المعروضة للأطفال مع مراحلهم العمرية من حيث الحوار المطروح والمصطلحات العلمية الموجودة في العرض، حتى تكون أقرب إلى عقلية الطفل المستقبل. وأوضح أبو ملحة أن الاستيعاب له مستويات «فالأطفال من سن 3-5 سنوات لهم خصائص تختلف كثيرا عن غيرهم من المراحل العمرية الأخرى، فيجب أن تكون المادة متوافقة مع هذه السن العمرية، فالصورة لا شك أنها عامل قوي لاستيعاب أفضل، ولكن ينبغي أن نركز على اللغة التي سيتقبلها الطفل، مع العلم أن الطفل في هذه السن يحفظ قرابة ثلاثة آلاف كلمة فقط، فيجب علينا عند مخاطبة هذا الطفل أن نستخدم نفس المفردات التي يفهمها حتى نصل في النهاية إلى الاستيعاب الذي نريد، إلا أن الفكرة بشكل عام مناسبة جدا، غير أن من الضروري جدا أن تتوافق المادة المعروضة مع خصائص الطفل سواء من حيث المرئيات أو المفردات ومن ناحية القيم التي نريد غرسها في نفس الطفل». تفكير ناقد من جهة أخرى، استحسن معلم موهوبين ثامر العتيبي، استخدام أفكار جديدة لتلقين الطلاب بأساليب إبداعية تساعد الطالب على حب العلم بل الإبداع فيه «الأسلوب المتبع في الفكرة من عرض المادة ثم مناقشة الطفل حول ما استفاده من الفيلم بهذه الطريقة يربي الطفل على التفكير الهادف إضافة إلى التفكير الناقد، وفكرة المناقشة هذه تعتبر الأولى على مستوى هذه المرحلة العمرية». وانتقد العتيبي فترة عرض الفيلم التي تستمر إلى نصف ساعة تقريبا «أجد أن هذه المدة كثيرة جدا على الطفل، بالإضافة إلى أن الإضاءة ستكون ناعمة جدا فهي أقرب إلى تنويم الطالب من شد انتباهه، مقترحا ألا تزيد مدة العرض على عشر دقائق، ويتخللها فواصل للمناقشة فهي أفضل بكثير». تعميم الفكرة وأوضح ثامر أن تهيئة مكان للطفل بهذه الطريقة فكرة جديدة «ولم أسمع أن إحدى المدارس قامت بها قبلهم، وهذه تحسب لصالحهم، مشددا بضرورة تفعيل الفكرة بشكل يخدم العلم والتعلم حتى تؤتي الفكرة ثمارها»، مبديا تفاعله مع الفكرة، وداعيا إلى ضرورة تطبيق الفكرة داخل مدرسته التي يدرس فيها، وأوضح أن الكثير من الأفكار التي قدمتها للطلاب حازت على إعجابهم، متمنيا أن تحظى هذه الفكرة كذلك باستحسانهم حال تطبيقها داخل المدرسة». الشرع لا يعارض من جانبه، أكد مدير جامعة مكةالمكرمة المفتوحة الدكتور علي بن حمزة العمري، أنه ليس هناك أي حرج من تطبيق أفكار كهذه داخل المدارس شريطة أن تراعي الحدود الشرعية وأن تخلو من العرض المحرم الذي يتنافى مع الشريعة الإسلامية «لا حرج في ذلك إذا روعيت فيها بعض المعايير، أولها الجانب الأخلاقي بأن تكون المواد المعروضة للطفل خالية من أي مقطع محرم، وأن تتناسب مع المرحلة العمرية للطفل، إضافة إلى عرضها لمكارم الأخلاق الحسنة، مع ضرورة مراعاة الجانب الصحي من حيث تناسب الإضاءة في القاعة بحيث لا تؤثر على الرؤية عند الأطفال ولا يتسبب ذلك بضرر عليهم، ويجب تواجد معلمة الفصل داخل القاعة لمراقبة الأطفال، إضافة إلى استشارة مختص نفسي يثبت لهم نجاح الفكرة ومدى تطبيقها على هذه الفئة العمرية، وإذا اجتمعت كل هذه الأبعاد فلا حرج من تطبيقها، فكل وسيلة ناجحة يجب أن تشجع وتحظى بالقبول»