الرياض – نعيم تميم الحكيم المطالبون بوجودها يرونها خياراً لتصحيح الصورة السلبية عن المملكة المعارضون: زمن السينما ولّى.. وأهداف المطالبين بها خفية وتغريبية حرك مهرجان الفيلم السعودي، الذي تحتضنه الرياض حالياً، الساكن حول وجود دور سينما في المملكة، وجدلية التحريم الشرعي، التي تصاحب طرح هذا الموضوع. ولجأ المهرجان إلى عرض أفلام المواهب السعودية عبر شاشة قناة «روتانا أفلام» للخروج من الحرج الذي يصاحب عرض هذه الأفلام من جهة، ولعدم وجود صالة مخصصة لعرض الأفلام السينمائية من جهة أخرى. ولعل استحضار فتاوى قديمة حول تحريم التصوير والتمثيل تأتي في سياق تحريم بناء دور السينما وارتيادها، كما في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث، التي جاء فيها «لا يجوز لمسلم أن يبني سينما، ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره، لما فيها من اللهو المحرم، ولأن السينمات المعروف عليها في العالم اليوم أنها تعرض صوراً خليعةً، ومناظر فتانة، تثير الغرائز الجنسية، وتدعو للمجون وفساد الأخلاق، وكثيراً ما تجمع بين نساء ورجال غير محارم لهن». ووقع على الفتوى مفتي عام المملكة السابق، عبدالعزيز بن باز. ولم تتوقف الفتاوى من اللجنة الدائمة حول تحريم السينما، إذ صدرت فتوى أخرى حديثة حملت رقم 4120، تؤكد أن «ارتياد السينما حرام؛ لأن أغلب ما يعرض فيها من الملاهي المحرمة التي تثير الفتنة.. ولما فيها من اختلاط الرجال بالنساء إلى غير ذلك من المفاسد». وصدرت فتوى أخرى، كان من الموقعين عليها مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، عبدالعزيز آل الشيخ، تشير إلى أن الأجرة الحاصلة من العمل بدار السينما حرام؛ لأن هذه الأعمال محرمة، والمال الذي يؤخذ مقابلها يكون حراماً. إلا أن فريقاً آخر من الفقهاء لا يرى حرجاً من وجود سينما إسلامية سعودية بضوابط شرعية لأهداف كثيرة، من أبرزها الدفاع عن القضايا المحلية والتعريف بالدين الإسلامي، في زمن أصبحت فيه السينما لغة عالمية مؤثرة. إجازة التمثيل ورغم أن فتوى عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور قيس المبارك، لم تبح السينما بشكل صريح، إلا أنها أجازت التمثيل، وليس التمثيل فحسب، بل تمثيل الصحابة بضوابط شرعية، في سياق الإجازة للأعمال السينمائية لتصحيح صورة الإسلام وبيان سيرة أعلام الأمة للأجيال. وقال المبارك إن «تمثيل الصحابة يجوز ولكن بضوابط»، موضحًا أنّ بعض العلماء المعاصرين قالوا بتحريم ذلك، بعلة إجلال الناس للصحابة الكرام، رضي الله عنهم، والخوف من تمثيلهم بخلاف صورتهم الحقيقية، فمقامهم، رضوان الله عليهم، أجّل من أنّ يُصور بطريقة قد تُفضي إلى تشويه صورتهم. وأشار المبارك إلى حصول التشويه في غيرهم، كما هو في كثير من الأفلام التاريخية، حيث مُثلت بطريقة لا تعكس حقيقة التاريخ، لا في اللباس ولا في طريقة الحديث، ولا في كثير من التصرفات، ذاكراً أنّها صورت واقع الناس قديماً بنقيض الحقيقة، وهذا في التاريخ لا ضرر فيه، أما في قدوتنا فالأمر يحتاج مزيد حيطة وحذر. ولم يجد المبارك غرابة في تحرج بعض العلماء من الفتوى بالإباحة، لا لحرمة التمثيل في ذاته، بل حماية لجناب الصحابة الكرام، «وإلا فالذي يظهر لي أنّ الأصل في ذلك هو الإباحة»، إذا مثل الحال تمثيلاً صحيحاً، فضلاً عن أن التحريم يحتاج إلى دليل، وليس في التحريم نص من حديث ولا أثر. ولاحظ المبارك أنّ «التمثيل يصور الغائب تصويراً، وكأنه ماثل أمام المشاهد، فالوصف والتمثيل يقوم مقام المعاينة، كما في الحديث «لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنّه ينظر إليها»، فنزل الوصف والتمثيل منزلة الرؤية الحسية، ومن هذا الحديث أخذ الإمام مالك أنّ الوصف في المبيع الغائب يرفع الجهالة عنه، فأجاز بيع الغائب على الصفة». وشدّد المبارك على أنّ للتمثيل أثراً كبيراً على النفس، فهو يقوم بما لا تقوم به الكتابة ولا ما يقوم به الكلام. حاجة ملحة ويذهب الدكتور سلمان العودة مع الآراء التي تبيح السينما، بقوله «شاشة السينما أصبحت قائمة الآن في كل بيت»، مشيراً إلى أن المجتمعات العربية والإسلامية «بحاجة إلى الانتقال من سياسة المنع إلى ثقافة المناعة». وتساءل عن الفرق بين السينما وبين الشاشة، أو بين التلفاز ذاته. وأجاب «المسألة من وجهة نظري تتعلق بأمرين هما: المحتوى المعروض أو المادة المُقدمة، وهل هذه المادة مادة أخلاقية تربوية، تبني نفوس الشباب وعقولهم، وتصنع منهم رجالاً للمستقبل، وتهيئهم، وتبني خبراتهم، أم هي مادة هدامة، تحاول أن تلهيهم بالمتع الرخيصة عن بناء الحياة. وأما الأمر الثاني فهي الضوابط، فكل شيء له ضوابط ولم يعد الأمر خياراً (أن تفعل أو لا تفعل)، فهذه الأشياء موجودة وقائمة، شئنا أم أبينا، لكن عندما يكون موقفنا هو موقف الرفض والسلب، مثل موقفنا السالب من التلفزيون، الذي كان موقفاً فيه الكثير من الرفض والصرامة، لم يصمد أمام التغيرات الواقعية الهائلة الكبيرة، لكنه انعكس سلباً علينا». خشية من الانفلات وأكد أستاذ العقيدة، المشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة الملك سعود، الدكتور خالد القاسم، أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الأمة، فنحن بدون دعوة لا قيمة لنا. وقال إن بضاعتنا يمكن أن نوصلها بشتى الطرق المشروعة، من ضمنها الكتاب والشريط والفليم السينمائي والدراما وغيرها، لا سيما أن السينما والدراما هي من أكثر الوسائل تأثيراً في الناس خصوصاً لدى الناشئة والأطفال، وبالتالي فاستخدام هذا السلاح أصبح ضرورة ملحة، لذلك من واجبنا التوجه نحو إنتاج احترافي لسينما راقية توضح حقيقة ديننا وأفكارنا وتمسح الصورة السلبية المطبوعة عنا في ذهنية الغرب وذلك بضوابط شرعية. وحول معارضة البعض لافتتاح دور للسينما في المملكة، قال: «نحن نتفهم تلك المعارضة من باب صيانة الفضيلة والقيم والأخلاق، ونحن لا نعارض فكرة السينما بقدر ما نعارض الأفلام المعروضة التي تحمل في غالبها أفكاراً منحرفة لا تمثل قيمنا وأخلاقنا وتخدش الحياء والحشمة، نخشى من افتتاح سينما لعدم وجود ضوابط وضمانات، فإذا وجدت ضوابط شرعية، ومن أهمها عدم الاختلاط وعرض أفلام جيدة بعيدة عن الوقوع في المحظورات، مع وجود ضمانات لهذه الضوابط من الجهات العليا، مثل وزارة الثقافة والإعلام وغيرها، فلا مانع من وجود صالات لعرض الأفلام، شريطة توفر هذه الضوابط مع الضمانات التي تطمئننا بعدم وجود محظورات شرعية». وأضاف «نحن لا نحرم الأشياء المباحة، بل نقف ضد تفشي الرذيلة والأمور التي تشوه عقيدتنا وديننا، فنحن مع وجود سينما تعرض أفلاما جيدة ووسطية تحمل فكرنا وديننا وقيمنا وأخلاقنا دون غلو أو تطرف». زمن السينما ولّى وشهد عام 2006م بداية للمهرجانات السينمائية من خلال مهرجان جدة السينمائي، الذي استمر لمدة ثلاث نسخ، ثم أوقف، وأشرف عليه مدير مهرجان الفيلم السعودي الحالي المخرج ممدوح سالم. ورأى البعض أن إيقاف المهرجان كان في محله، مؤكدين أن زمن السينما ولّى في وجود الفضائيات في كل منزل، وأن المطالبين بوجود صالات سينمائية لهم أهداف خفية، وهو ما أشار إليه عميد كلية الشريعة الأسبق في جامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور سعود الفنيسان، الذي أكد أن زمن السينما ولّى بلا رجعة، مشدداً على أنه لا حاجة لوجود سينما في الوقت الحالي، وأن المطالبين بافتتاح السينما لهم أهداف غير معروفة. ولفت الفنيسان إلى أن المطالبين بوجود السينما يريدون إخراج الأسر من بيوتها وجمعها في صالة تعرض أفلاما هابطة، ذات توجه مغاير لديننا وعاداتنا وتقاليدنا، مؤكداً أن زمن السينما ولّى داخل وخارج المملكة، ولا فائدة من وجودها. خيار قادم ويرد الباحث الشرعي، الدكتور مالك الأحمد على القائلين بانتهاء زمن السينما، مؤكدا أن السينما خيار قادم لا محالة، سواء تقدمنا أو تأخرنا، لكن هناك سؤالا مهما يجب أن نطرحه على أنفسنا: ماذا سنقدم من مشروع إعلامي كهذا يقدم فناً راقياً؟ وأضاف «نحن أمام خيارين، فإما أن تحدد الضوابط العامة للسينما، وتقدم بشكل لا يتصادم مع الثوابت في ديننا، وإما أن يبنوا سداً، ومع الوقت سيهدم هذا السد؛ لأن الممانعة المستمرة لا أظن أنها ستنجح». وقال إن «المطلوب هو تقديم أفلام سينمائية راقية جداً، وممتعة، وخالية من المحاذير الشرعية، وهو، وإن كان صعبا، إلا أنه ليس مستحيلاً، والبدائل متعددة ومتوافرة، ولعل نجاح بعض القنوات المحافظة يشجع على خوض هذه التجربة»، موضحاً أن هناك نماذج جيدة قدمت مثل فيلمَي «عمر المختار» و»الرسالة»، و»نحن لا نتوقع الكمال في هذا الجانب، لكن علينا أن نعمل». محرك خطير ووقف الدكتور علي المالكي موقفاً وسطاً بين المؤيدين والمعارضين، بقوله «نعرف أن المواد المرئية محرك خطير للشعوب، خصوصاً لدى الشباب، في زمن أصبح فيه اللاعب والممثل والمطرب، مع الأسف، قدوة لدى كثير من الشباب». وقال: «أنا مع، ولست ضد وجود فيلم سينمائي هادف، أو مسلسل أو مسرحية نستطيع من خلالها تمرير أفكار إيجابية مختلفة، تعود على شبابنا بالخير الكثير». واستدرك «لكن أخشى أن تستغل هذه الأفلام لدس السم في العسل، وهذا ما لا نرضاه دون الاستعانة بامرأة سافرة تفسد أكثر مما تصلح». بصيص أمل وأمام الجدل القائم حول السينما، لاح في الأفق بصيص أمل لدى المؤيدين عندما أعلن وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عبدالعزيز خوجة، أثناء زيارته لجامعة الملك سعود استعداد وزارته لمراقبة محتوى ما يعرض في دور السينما حال الموافقة على إنشائها رسمياً في المملكة. وأضاف «إذا أقرت الحكومة بناء دور العرض السينمائي، فالوزارة مستعدة للتعاون في الجانب الذي يخصها، والمتمثل في رقابة المحتوى». وعلق خوجة على تصريح سابق لأمين منطقة الرياض، الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، الذي أكد فيه أن دور العرض السينمائية باتت ضرورية، بالقول «أمين الرياض لم يتكلم عنها في السابق إلا وهو يعلم عن إمكانية وجود توجهات حكومية لإنشائها». ولم يكن تصريح خوجة الأول، بل سبقه بشهر تصريح لنائب وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عبدالله الجاسر، أكد فيه أن المسرح والسينما سيأخذان الصفة الشرعية في المملكة قريباً. ممكن مع ضوابط وترى المخرجة السينمائية، هيفاء المنصور، أن القضية يجب أن ينظر لها بنظرة شمولية من كل الأطراف، فعندما يطالب بوجود سينما، هذا يعني وجود صناعة تؤمن آلاف الوظائف للشباب في مختلف المجالات من تصوير وإضاءة وإخراج وغيرها من مجالات عمل في هذا المجال، إضافة لذلك فإنها تعد وسيلة ترفيهية ومشروعاً اقتصادياً مهماً في مجتمع لديه تعطش لوجود سينما راقية وهادفة. وشددت المنصور على إمكانية إنشاء دور عرض سينمائية في المملكة، تتوفر فيها ضوابط شرعية من فصل الرجال عن النساء في القاعة، ووضع ضوابط للأفلام المعروضة. وأكدت أن وجود سينما سيشكل دافعاً للشباب الموهوبين في الحرص على تقديم أفلام احترافية والارتقاء بالصناعة السينمائية في المملكة، التي باتت سلاحاً إعلامياً مهماً بين الأمم.