لم يعد غريبا أن ترى الانتقادات تطول العديد من المجالس البلدية، خاصة في المنطقة الغربية، في ظل الأحداث المتلاحقة التي ربما يراها المواطن برهنت على عدم فاعلية تلك المجالس. لكن في الجانب الآخر، يرى المشتغلون بالمجالس البلدية أن وضعهم في خانة الاتهام دائما، ربما لا ينصفهم، لأنهم حسب وصف أحدهم حاولوا العمل، إلا أن الأمانات لم تساعدهم في الوصول إلى المأمول، فجاءت الدورة مشوهة بالشد والجذب، لتطغى المشادات على روح الإنجاز. واليوم تترقب الأنظار ما تؤول إليه انتخابات البلدية القادمة بمكة المكرمة، في الدورة الثانية، والأمل يحدو الجميع أن يكون المجلس مغايرا عن الدورة الأولى، ويبقى السؤال: هل فهم المواطن معنى دور المجالس، أم أن الأمر لا يزال مختلطا في فهم الكثيرين؟ يرى المطوف أحمد صالح حلبي أن الانتخابات البلدية بحاجة إلى فهم واسع لها من قبل المرشحين قبل الناخبين: «من بين المرشحين والناخبين أناس مؤهلون وآخرون طامحون يتسابقون نحو انتخابات المجالس البلدية للدورة الانتخابية الثانية، وقبل الانجراف وراء ما يوصف بالثمار التي تم تحقيقها خلال الفترة الماضية، وما ستجنيه المجالس خلال الفترة المقبلة فإن أبرز سؤال يطرح اليوم هو مدى وصول مفهوم الثقافة الانتخابية لكافة شرائح المجتمع، والذي يبدو أنه غائب، مثله في ذلك مثل مهام المجلس البلدي التي يجهلها البعض من أعضاء المجالس، وهو ما اعترفت به وزارة الشؤون البلدية والقروية في تقرير نشرته إحدى الصحف المحلية قبل فترة، إذ أوضحت الوزارة أن عدم إلمام بعض أعضاء المجالس البلدية بطبيعة مهام واختصاصات المجلس البلدي والبلدية، أدى إلى الازدواجية والتداخل، فكيف يمكن تفعيل دور المجالس البلدية، وإيضاح مهامها ومسؤولياتها لدى المواطنين إن كان أعضاء المجالس أنفسهم يجهلون ذلك؟ لذلك لابد من إخضاع المرشحين لعضوية المجالس البلدية لدورات تثقيفية لتعريفهم بمهام المجالس ومسؤولياتهم كأعضاء بها». بريق إعلامي ويشير حلبي إلى أنه: «إذا كان البعض من أعضاء المجالس البلدية أثبتوا عدم فهمهم لمهامهم وهو ما يعني عدم قدرتهم على أداء مسؤولياتهم، فإن ما يخشاه الكثيرون أن يكون هناك عزوف من قبل البعض من المواطنين عن المشاركة في انتخابات المجالس البلدية خلال الدورة الثانية، نتيجة لعدم قناعتهم بما حققته المجالس خلال الدورة الماضية، خاصة أن ما قيل ونشر عنها لا يعدو كونه منحصرا في اجتماعات وزيارات لقطاعات ومؤسسات حكومية وأهلية، بهدف نيل بريق إعلامي، إذ لم تناقش المجالس مشاكل الأحياء العشوائية، ولم تبحث سبل إيصال الخدمات للمخططات الحديثة أو التوسع في الخدمات بالمناطق السكنية، أما ما يقال إن أداء المجالس كان مرضيا فأعتقد أنه مجرد تلميع لصورتها لتبدو كمجالس عاملة، وإن كانت التعديلات الجديدة لنظام المجالس البلدية أشارت إلى تحسين أداء المجالس من خلال تفعيل دورها بآليات جديدة ومتنوعة تتمثل في اللقاءات المفتوحة مع المواطنين والزيارات الميدانية واستقبال المراجعين في البلديات، وغيرها فهي خطوة نحو تطوير أداء المجالس، لكن الأهم هو كيفية تنفيذ مثل هذه الآليات والتي تعتمد على مرشحين أكفاء قادرين على الترجمة الفعلية لها، وإن ظلت الانتخابات معتمدة على اشتراطات مرنة تؤهل غير القادرين على فهم مهامهم، فإننا سنجد بكل تأكيد مجالس بلدية جامدة بموقعها وسارحة بأفكارها بعيدة عن واقعها». لم نلمس شيئا ولا يخجل عمدة حي الرصيفة سامي معبر في الإشارة إلى أنه: «لم نر شيئا من المجلس البلدي بالعاصمة المقدسة على الطبيعة، ولم نلمس الإنجازات التي يتحدثون عنها، وينبغي على المجلس إذا أراد النجاح والاستمرارية أن يفعل القرارات، ويسعى لإنهاء المشاريع ومطالب السكان». ولا يتوقع الإعلامي عبدالله الدهاس أن تشهد انتخابات المجالس البلدية في دورتها الثانية ذلك الإقبال الكبير الذي شهدته الدورة الانتخابية الأولى: «وذلك يعود إلى سببين: الأول أن المواطن لم يلمس شيئا واقعيا لأعمال ومهام المجالس البلدية طوال الخمس سنوات الماضية، والثاني يعود إلى ضعف الثقافة الانتخابية لدى الغالبية العظمى من المواطنين». ويقترح أنه: «يتعين على وزارتي الشؤون البلدية والثقافة والإعلام تنفيذ حملة إعلامية إعلانية لهذه الانتخابات وفق معطيات العصر الحاضر مع استثمار وسائل التقنية الحديثة في مجال الاتصالات لتشجيع المواطنين على الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات، علاوة على إلزام المرشحين لعضوية هذه المجالس بوضع برامج انتخابية مقننة علميا ليكون المواطن على دراية تامة بجدوى هذه الانتخابات، كما يتعين كذلك استثمار المجال التعليمي والتربوي خصوصا في مراحل التعليم العالي مثل الجامعات والكليات والمعاهد لنشر الثقافة الانتخابية بين فئة الشباب والتي تعد الفئة الأكثر في المجتمع السعودي». إقبال منقطع النظير وعلى النقيض من التشاؤم يصر رئيس المجلس البلدي بمحافظة الجموم الدكتور نايف بن قبلان العتيبي على التفاؤل بالتأكيد على أنه: «لن تجد الانتخابات البلدية في دورتها القادمة عزوفا، بل سيكون هناك إقبال منقطع النظير، خاصة أن المجلس البلدي حقق أشياء كثيرة للمواطنين والسكان، فالمجلس البلدي يسعى دائما لمراقبة أداء البلديات في القرى والهجر التابعة للمحافظة، والمواطن لاحظ الجدية في المجالس البلدية، وحرصها على تقديم الخدمة للمواطن، والمنطقة التي يسكن بها في الفترة السابقة طوال الست سنوات الماضية، فكانت تلك الملاحظة حافزا ومشجعا أكيدا ودافعا أساسيا لهم ليشاركوا في الانتخابات البلدية المقبلة وبأعداد كبيرة، لشعورهم بأهمية المجالس البلدية وقربها من المواطن، لكن يجب المشاركة والتصويت لمن يتحقق جدارته ئومصداقيته بعيدا عن أي هتافات أخرى، وما سيسهم في رفع معدلات مشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة في الأعمال التي نفذت على أرض الواقع، فأصبح المواطن يلمس تلك الاهتمامات والعناية من قبل المجلس البلدي، ويرى خدمات كثيرة تقدم كالمشاريع التي نفذت وإقرار الميزانيات وتحديد أولويات المشاريع والأماكن واقتراح المشروعات ومراجعة أداء البلدية والرقابة على المشاريع، والنظر في شكاوى المواطنين، فتلك تضمن لنا أن المواطن أصبح يعنى جيدا بالانتخابات ومفهومها وما يمكن أن تقدمه من خدمات للمواطن والمنطقة». بطاقة طويلة المدى ويتفق نائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة الجموم الدكتور حسن بن علي الأنصاري على أن المجلس الذي حاز عضويته في الدورة الأولى حقق 90 % من أهدافه المرسومة من حيث متابعة المشاريع والخدمات البلدية في المنطقة، وإيصال جميع الخدمات للمواطنين، وهذه تعتبر من أولويات المجلس البلدي: «عدد الناخبين في الدورة السابقة وصل إلى خمسة آلاف ناخب، فيما يبلغ عدد سكان الجموم في الفترة السابقة ما يقارب 100 ألف مواطن، والإقبال في الانتخابات البلدية السابقة لم يكن ملحوظا، حيث كانت التجربة جديدة على المواطنين، ووعي الناخبين كان أقل من المنشود في كثير من الأمور كالحصول على البطاقة الانتخابية على سبيل المثال، حيث كان من الأولى نشر ثقافة الانتخابات وترسيخها بشكل جيد قبيل البدء فيها، ولكن أتوقع أن تشهد هذه الدورة أعدادا كبيرة من الناخبين، وذلك نتيجة الوعي وثقافة الانتخابات لدى الكثير من المواطنين، وأتمنى إصدار بطاقة ناخب للمواطنين طويلة الصلاحية أي لعشر سنوات مقارنة ببطاقة الأحوال المدنية، ولا أخفي قلقي من طول الفترة التي بين فترة تسجيل الناخبين وفترة الانتخابات، حيث إنها فترة طويلة جدا، وتجعل الكثير من الناخبين ربما يعزفون عن الانتخابات في وقتها المحدد» .