- يصحو بضجر, يرفع رأسه المثقل بفعل السهر بتأفف, أقلقته أبواق إزعاج إخوته الصغار الذين لا يزالون يمارسون هوايتهم في إيقاظ سباته كلما عادوا من مدرستهم, يرمق ساعته التي تشاركه الروتين الممل, يغسل وجهه, يرتدي ملابسه الملقاة بعشوائية في أركان غرفته, يزعجه فراغ معدته وجيبه لكنه اعتاد الأمر.. فلاشيء جديد في حياته, فمنذ خمسة أعوام تسير حياته على الروتين نفسه. مل منه التضجر وملّت منه الشكوى, خمسة أعوام مرت منذ أن فرغ من دراسته الجامعية, خمسة أعوام مرت وهو يطرق أبواب الشركات يبحث عن وظيفة, لم يتشرط.. فقط كان يريد وظيفة, خمسة أعوام مرت وحياته متوقفة, خمسة أعوام مرت وضجر والديه يزداد منه, خمسة أعوام مرت ونظرات الشفقة تصفعه كلما رأوه, خمسة أعوام مرت وأحلامه الصغيرة تتبدد, خمسة أعوام مرت وهو يموت, وجهه الشاحب يخفي خلفه جسدا بدأ بالتلاشي, ما تبقى من روحه الرقيقة تدوسها النظرات والهمسات, ابتسامته المصطنعة تخفي خلفها حزن عميق, أنفاسه مثقلة بالخيبة, وطموحه تلاشى, بياض شعره يُلمح من بعيد, يجر خطاه فقدماه لا تستطيعان تحمل همومه, يجرهما بلا هدف, تضجره أشياء كثيرة والأسئلة لا تنقطع. - ما قدمت على وظيفة؟ - ليش ما تتزوج؟ - وش فيك مشيب؟ - وش فيك حزين؟ - ليش أنت نحيف؟ أنت ما تأكل؟ يفاجئني بقوله: - ما فيه أحد يحس بي إلا أنت. - ليش؟ - لأننا نشرب من نفس الكأس. أحاول أن أجتر منه الكلام.. -ليش؟ - لأن وضعك زي وضعي.... - وضعي؟ الحمد لله مبسوط وعايش. - أنت مبسوط؟ تكذب على مييييين يا عم؟!!!!, تقول لي مبسوط إنك عاطل؟ تقول لي إنك مبسوط لأنك طفران, تقول لي إنك مبسوط وأنت تدور على مصروف يومك؟ تقول لي مبسوط لأنك تضطر تطلب من أبوك؟ تقول لي مبسوط وأنت عزوبي؟ تقول لي مبسوط وأنت متهجول؟ أشيح بنظري عنه, يعرفني جيدا كما أعرفه, لا أستطيع الكذب عليه, أراه كما يراني بدون أقنعة, يكمل حديثه... - ما تحس إنك منبوذ؟ ما أحد معطيك وجه, يعاملونك كشخص غير مرغوب فيه؟ - ليش أحس؟ - يا شيخ حتى البنت وضعها أزين من وضعك, على أقل هي تنخطب أما أنت اسمك عاطل مين يبيك؟.. ابتسم له.. فيكمل: تصدق لو إنك بنت كان يمديك من زمان متزوج, و 20 واحد يخطبونك, لا وبعد تتشرط.. تبي موظف وراتبه فوق عشرة آلاف.. ومصروف وووو. لا يسمع مني إجابة, فيستمر. - تصدق... أفكر انتحر؟ - إيش؟ من جدك يا شيخ؟ وإلا تستهبل؟ - والله من جدي, ملييييت من هالحياة, ولولا إني أخاف من عذاب ربي, وإلا كان انتحرت من زمان. - استغفر ربك يا شيخ, ما بعد الضيقة إلا الفرج. يعود إلى صمته, ودخان سيجارته لا ينقطع, حينما عرفته لم يكن يدخن, كان محبا للثقافة صديقه المقرب منه كتابه, أما اليوم فهو جزء من روحه المتعبة, أرمق دمعة تترقرق من عينه. - تذكر فلانة؟ - إيه.. بنت عمك؟ وش فيها؟ - أمس كانت ملكتها. - أووووووه الله يعينك. يكمل كلامه بعد أن يمتص سيجارته بعنف: - آآآآآآه... كانت حب العمر, تصدق؟ خطبتها أربع مرات, وعمي يرفض يقول: لين تتوظف... والحين خلاص راحت.. خلااااص راحت وفقدتها للأبد. - يا شيخ مو من نصيبك؟ لو مكتوبة لك كان تتزوجها. - الله يعين. خمسة أعوام مرت, ونحن نبحث عن وظيفة, خمسة أعوام ونحن نحاول أن نكون, خمسة أعوام وأحلامنا تموت, خمسة أعوام ونحن نصحو وننام على معاناتنا, خمسة أعوام من ضياع, أعمارنا تمضي ونحن بلا روح عبدالله الحربي - شبكة أبونواف http://www.abunawaf.com/post-10168.html