في ظل انعدام «أدب وثقافة الحوار» فإن حوارا عربيا بين طرفين سيبدأ غالبا بالاختلاف حول نقطة أو اثنتين وينتهي بالاقتتال على عدد مهول من النقاط ! ليس هذا فحسب بل سيمتد الحوار إلى نوع من التجريح الشخصي وطعن بالضمائر ومحاولة إلصاق تهمة الجنون والتخلف العقلي والخواء الفكري بالطرف الآخر! حواراتنا العربية عادة ما تصبح الغلبة فيها لصاحب الصوت الأعلى والأقسام الأكثر وموجة الصوت الأحد, بعيدا عن مضمون الكلام وصحته, لذا فإن التهور كالإقدام على المشاركة في حوار عربي هو بالضبط كالدخول في مشاجرة «شوارعية» لا بد فيها من ضارب ومضروب حتى يمن الله على أطراف النزاع ب «فاعل خير» لفض الاشتباك! وإذا كانت الحوارات في كل أطراف الدنيا تهدف إلى تقريب وجهات النظر والخروج بحل وسط أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر, فإن أولى خسائر الحوار العربي هي «المصداقية»! وإذا كان الاختلاف لا يفسد للود قضية فإن حواراتنا العربية تفسد الود, وتمتد أيضا إلى القضية لنسفها! من الملاحظ حقا أن المحاور العربي جاهز على الدوام لخوض كل أنواع الحوارات حتى تلك الحوارات التي لا يعرف موضوعها, فالهدف الرئيسي هو عدم إعطاء «العدو» فرصة للحديث ومحاولة الإجهاز عليه من أول جولة! في غالب الحوارات هنا لا نرتقي حتى لحوار الطرشان الذي لا تسمع فيه على الأقل ألفاظا نابية, فالمحاور العربي لا يدخل الحوار إلا بعد أن يملأ جعبته بذخيرة كافية من المصطلحات التي من شأنها أن تعصف بالحوار وبطاولته وبالطرف المقابل من الدقيقة الأولى! لسوء حظي فقد كنت من مشاهدي أحد برامج الحوار البارحة, انتهى البرنامج دون أن أفهم المشكلة ودون أن أعي «من ضد من» ودون أن يقتنع أحد الضيوف بكلام الآخر ودون أن يشكرني المذيع على حسن صمتي وحسن استماعي للمهزلة السابقة!