أثار قرار إلغاء الانتساب استياء واسعا وسط منتسبي الجامعات على الرغم من تباين الآراء حول معرفتهم بالبديل المتمثل في التعليم عن بعد، والتعليم الإلكتروني. واعترف كثير من الطلاب المعترضين على النظام الجديد، أن صدمة الإلغاء جعلتهم يفكرون في مستقبلهم، وما إذا كان التبديل سيغير حالهم، وينهي مستقبلهم، أم أن هناك من الإجراءات ما يتيح لهم «الأمان التعليمي». ويبدو أن لائحة التعليم عن بعد رغم صدورها منذ أكثر من خمسة أشهر، منذ لم تشع على نطاق واسع، الأمر الذي غيب الوعي المعرفي بها، فباتت واجهة تحتاج إلى تعريف، لدرجة أن مختصا جامعيا اعتبر أن البطء في نشر الوعي المعرفي لنظام يستوعب ما يزيد عن 150 ألف طالب سنويا، أمر يحتاج مراجعة: «صحيح أن عدد المنتسبين حاليا فيما يعرف بالانتساب المطور، ربما لا يتعدى العشرات في كل جامعة، إلا أن التعليم عن بعد الحقيقي يختلف تماما، وإذا أضفنا عدد المنتسبين الحاليين في الجامعات، من المؤكد أن العدد الذي يبحث عن فرصة للتعليم عن بعد يتجاوز 150 ألف طالب وطالبة في كل عام». قرار مصيري وترى الطالبة بجامعة الملك فيصل نورة العمري من حفر الباطن، أن القرار مصيري في حياتها: «بعد التخرج من الثانوية، وقفت حائرة أمام عائق اجتماعي واقتصادي، حيث إن معظم سكان قريتنا يحملون مؤهلات تعليمية بسيطة، وأخواتي لم يكملن الدراسة وتوقفن عند مرحلة الثانوية، والدراسة قد تكون شاقة بعض الشيء في الحفر من ناحية النقل والمصاريف وغيرها، كما أن من الأمور التي تشجع على الدراسة عن بعد، هو الابتعاد عن الروتين اليومي الجامعي من الاستيقاظ مبكرا، وتسجيل الحضور والغياب، ومسافة الحافلة وصولا للكلية، التي تبعد 60 كيلو عن المنزل؛ لذا معظم زميلاتي في الدراسة فضلن في هذا العام الالتحاق بالتعليم عن بعد، وإصرارهن على تكملة الدراسات العليا في ظل الأجواء المناسبة جدا لمجتمعاتنا وسهولة الدراسة». نريد مكافآت وأشارت إلى بعض العقبات التي تواجه الدارسين عن بعد: «من أصعب ما يواجهنا كطالبات في جامعة الملك فيصل، هو البرنامج الذي خصصته الجامعة (البلاك برود)، فهو بطيء جدا، عوضا عن أن التعامل مع البرنامج صعب ومعقد، وهذا ليس لأنني لا أجيد التعامل معه، بل هو حديث الطالبات والطلاب في المنتدى الذي نجتمع فيه بشكل يومي، ومن المفترض إذا كنا ندرس عن بعد ونخفف العمل على الجامعات، فنحن نطالب بصرف مكافآت مادية، لمن يعانون من ظروف خاصة، أو حتى لمن لا يعانون من ظروف، فلا فرق بينهم وبين الدارسين بالشكل التقليدي، إلا بفرق المقعد، ونحن نعاني نفسيا من عملية الدراسة والبحث والتعب النفسي أكثر من الجسدي». فرصة للشكر واعتبرت زميلتها في الجامعة نفسها بقسم التربية الخاصة هند المسلم أن فتح التعلم عن بعد فرصة يجب أن يشكر عليها كل من ساهم في دعمها، حيث فتحت لنا أفاقا كثيرة: «بعض الطالبات لا يستطعن الوصول إلى أروقة الجامعة للعديد من الأسباب، فقد أوصدت جميع الأبواب أمامنا، حتى فرج الله لنا بالتعلم عن بعد، وسوف نكمل الدراسة إلى الماجستير، ولا نريد من المسؤولين سوى الاهتمام بمستقبلنا، وكذلك الحال بالنسبة للأساتذة الذين لا يبدون مساعدتهم لنا بشكل من الأشكال، لا في الاتصالات التي تردهم، ولا من الأسئلة التي لم تكن من المقرر، التي يعتريها الغموض والتشابه، فهذا لا يساعدنا أبدا في إكمال مشوارنا الدراسي، ومشكلة الوقت الذي تخصصه الجامعة الذي لا يتجاوز الساعتين، فهذا يشكل علينا تعبا نفسيا مهما كانت أجسادنا ليست مرهقة». استفادة قصوى يرى الطالب في جامعة الإمام محمد بن سعود ياسر العبد الله، أن التعليم المطور، تعليم على مستوى راقٍ وبتكلفة رمزية: «استفدت كثيرا وجامعة الملك الإمام محمد بن سعود، خصوصا أنها وضعت النقاط على الحروف، وساعدت في إنهاء مشاكل كثيرة، خاصة لمن هم على شاكلتنا من الموظفين، الذين لا نجد فرصة في الالتحاق بالتعليم العالي، فقد سهلت لنا العديد من الفرص الأفضل، حتى لمن دوامهم في الصباح والمساء، لكننا نطالب المسؤولين بمساعدة الطلاب والطالبات في إكمال مشوارهم، وعدم إضافة المزيد من الأعباء لاحقا». ثقافة جديدة وأشارت الطالبة نجلاء الجابري إلى أن التعلم عن بعد فرصة لا تعوض أبدا، وثقافة جديدة للمجتمع السعودي، «يغلب على مجتمعنا المحافظة في كل شيء، ومن المعلوم أن الفتاة عندما تبلغ سن الزواج في غالب الأمر تتزوج وتنقل إلى حياة مختلفة تماما، ومع الأبناء ومستلزمات المنزل ربما لا تجد فرصة، هذا ما أشاهده مع زميلاتي المتزوجات، اللاتي يضطررن إلى ترك التعلم الجامعي، والتعلم عن بعد ساعد المتزوجات في رفع المستوى التعليمي، مهما كانت الظروف المحيطة بالمرأة، والحرص على العلم والمعرفة سبب رئيس في تطور المجتمع». مستقبل مأمون من جانبه أوضح عضو شورى أن الجامعات ستعالج وضعية المنتسبين فيها، فور تطبيق لائحة التعليم عن بعد، وإلغاء الانتساب. وأكد عضو لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي بمجلس الشورى الدكتور خليل البراهيم ل «شمس» أن أنظمة التعليم العالي عندما تستحدث نظاما يحفظ حقوق الفئة التي تعمل في النظام السابق وبالتالي، إما أنها تعالج وضعهم بحيث يستوعب في النظام الجديد أو تعطيهم فرصة لتخريج هذه الدفعات ثم تطبق النظام الجديد على الدفعات الجديدة. وأوضح أن: «المعالجة تترك في الغالب للجامعات فكل جامعة تعمل على معالجة أوضاع الطلاب، لكن في الغالب وفي العرف الجامعي أن الطالب لا يضار من أي نظام جديد، ويحفظ حقه حتى لو استحدثت خطة جديدة في أحدث كليات، فالطلاب الذين يدرسون على الخطة القديمة يعطون فرصة للتخرج، وتكون هناك مرحلة انتقالية بين النظام الجديد والنظام السابق». أيهما أفضل وحول ما إذا كان نظام التعليم عن بعد يخدم الطلاب بشكل أكبر من الانتساب، بين البراهيم أن: «التعليم استخدم التقنيات الحديثة، والتواصل عن بعد ربما سهل على الطالب أكثر من نظام الانتساب، والآن بعض الجامعات تطلب الطالب أن يحضر عددا معينا من المحاضرات، ما يضطر إلى السفر والإقامة في مدينة أخرى وكلفة فالتعليم عن بعد يساعد على التواصل اليومي بين الطالب والبرنامج المعد من خلال البرامج التفاعلية، ومن خلال المحاضرات التي تبث عبر وسائل الإعلام الحديثة على الإنترنت». وبين البراهيم أن نظام التعليم عن بعد نقلة نوعية في توظيف التقنية في هذا المجال. السنة التحضيرية وحول إلزام وزارة التعليم العالي الطلاب المستجدين بدراسة السنة التحضيرية ما يمنعه من الانتقال من كلية لأخرى، أوضح: «السنة التحضيرية تجربة وجدت في بعض الجامعات منذ زمن بعيد، فهي مطبقة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن منذ سنوات طويلة، وهي تعتبر تجربة ناجحة، والسنة التحضيرية الهدف منها تهيئة الطالب لدخوله المرحلة الجامعية، ووجود السنة التحضيرية اعتراف بضعف مخرجات التعليم العام، وعدم جاهزية الطالب للانتقال من مرحلة التعليم العام للتعليم العالي، وبالتالي وجدت السنة التحضيرية حتى تجهز الطالب وتكون عملية تجسير بين التعليم العام والتعليم الجامعي، كذلك بعض الجامعات اتخذت هذه السنة لقياس مدى قدرة الطلاب على الانخراط في التعليم الجامعي، فهي في جانبها تهيئة للطالب وفي الجانب الآخر فرز للطلاب الذين قبلوا في كليات ومعدلاتهم عالية في التعليم العام، وتؤكد وتنفي هذه المستويات، وبالتالي عندما يقبل طالب في كلية الهندسة، ثم يأتي في السنة التحضيرية ويحصل على معدلات متدنية، فهذا مؤشر أن الطالب ربما لا يستطيع أن ينخرط في كلية الهندسة، وبالتالي لا بد أن يبحث عن كلية أخرى أقل صعوبة منها». وحول ما إذا كانت السنة التحضيرية مفيدة للطلاب أم مضرة، علما بأن الطالب يدرس خمسة أعوام بدلا من أربعة أعوام، أشار عضو لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي بمجلس الشورى إلى أن هذه القضية حسمت الآن، فالسنة التحضيرية هي جزء من الأعوام الأربعة، لم تكن سنة إضافية، وهذا الآن مطبق في كثير من الجامعات: «كنت على اتصال مع الجامعات قبل أسبوع حول هذه القضية، والآن تحسب السنة التحضيرية كجزء من أعوام الدراسة، سواء كانت أربعة أو خمسة أعوام، فالسنة التحضيرية تمثل السنة الأولى، وبالتالي إضافتها كلفة على ميزانية الدولة، لأن إضافة سنة على سنوات الدراسة فيها كلفة مادية عالية، وبالتالي تجعل الجامعات تضيف كلفة زيادة عما هو مقرر للطالب الجامعي». لا تأثير وكان عميد التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد في جامعة الملك فيصل الدكتور عبدالله النجار، شدد في تصريحات على أن التعليم المطور للانتساب، مرحلة أولى من التعلم عن بعد، الذي صدرت الموافقات العليا واللوائح المنظمة له من أعلى المستويات: «بصدور الموافقة، وجهت الجامعات السعودية التي تقدم الدراسة بالانتساب من جانب وزارة التعليم العالي، لتعديل وضع الدراسة بالانتساب فيها، وهذا التعديل لن يضر الملتحقين بالنظام، فمن كان ملتحقا بالانتساب التقليدي منذ بداية قبوله سيتخرج بمسمى الانتساب التقليدي، ومن كان مقبولا في الانتساب المطور سيتخرج بمسمى الانتساب المطور، وشهادة كلا النظامين معتمدة ومصنفة من جانب جهات الاختصاص». وبين أن: «كل من سيتم قبوله خلال الفصل الثاني من العام الجاري، ستكون شهادتهم بمسمى الانتساب، وهي معتمدة ومصنفة، إلى أن تتخرج الدفعة التي سيتم قبولها هذا الفصل، ومن سيقبل في هذا الفصل، ليست له علاقة بقرار إلغاء الانتساب التقليدي في الفصل المقبل، وسيكون حقه محفوظا إلى أن يتخرج بعد أربعة أعوام، أو أكثر بحسب مدة تخرجه، لأنه قبل قرار الإلغاء للانتساب التقليدي». انتقال سهل وأشار إلى أن الانتقال إلى المسمى الجديد الذي تطالب به وزارة التعليم العالي الآن، سيكون سهلا وميسرا، ولن يتطلب من الطلبة أي تغيير: «الطلبة الذين سيتم قبولهم اعتبارا من بداية العام المقبل سيكونون بمسمى التعليم عن بعد، وليس الانتساب، وهذا الأمر لن يؤثر على الطلبة القدامى، حيث ستكون جميع الجهات التي تقدم مثل هذا النوع من التعليم ملزمة بأن تطلق على شهادتها التعليم عن بعد، وهذا لن ينقص من نوع الشهادة، ولن يؤثر عليها» .