قد لا يكون «الطلاق أبغض الحلال إلى الله» اعتمادا على تضعيف المحدثين لهذا النص، لكنه نهاية مؤلمة وفاجعة لا تتوقف تبعاتها النفسية وانعكاساتها الاجتماعية على طرفي العلاقة الزوجية، بل تمتد إلى الأولاد والأهل في مداها القريب، وعلى المجتمع عموما في المدى البعيد، إذ أضحى الطلاق اليوم أزمة اجتماعية حادة تتفاقم مع الازدياد المضطرد الذي تشهده المملكة في معدلاته نسبة إلى عدد الزيجات. ومع التحركات التي تشهدها مؤسسات المجتمع المدني لتقليص حالات الطلاق ودرء المشكلات الزوجية قبل حدوثها، أطلقت بعض الجهات المهتمة مبادرة اتفق على تسميتها «رخصة قيادة الأسرة» وهي شهادة تثبت أهلية الزوجين لقيادة حياتهما إلى بر الأمان، بعد أن يخوضا دورات تأهيلية يتعلمان خلالها أسباب المشكلات الزوجية وطرائق حل الخلافات والنزاعات صغيرها وكبيرها من أجل حياة زوجية سعيدة تحقق الغرض الحقيقي من الزواج وهو السكن والطمأنينة. وتقضي هذه المبادرة أن يستهدي الزوجان بسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي لم يخل بيته من مشكلات تعامل معها الرسول وزوجاته بمنتهى الحكمة والحصافة؛ فانتهت إلى خير وبركة، ومن ذلك ما فعلته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- حين كسرت «الصحفة» من شدة غيرتها في القصة الشهيرة، وغير ذلك من أمثلة التعامل الحكيم بين نبينا وزوجاته، ما يكفي ليكون أنموذجا يحتذى في أسلوب تنمية العلاقة الزوجية وتقويتها. ويشدد فارس بن محمد القرني، المدير التنفيذي لفرع الرياض في جمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي «واعي» وهي منظمة اجتماعية غير ربحية، على أهمية دورات رخصة قيادة الأسرة في توعية المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا، موضحا أن ازدياد حالات الطلاق استوجبت مبادرة مثل هذه لحماية الأسرة من عواقب تفككها وانهيارها. وتعقد «واعي» هذه الدورات في زمن قياسي لا يتجاوز خمسة أيام بواقع 20 ساعة تدريبية يتخرج بعدها المتدرب عضوا فاعلا في أسرة سعيدة، كما يشير خالد منيف الذي يتولى تدريب الملتحقين بالبرنامج «تستهدف الدورة أن يفهم المتدرب نفسية الشريك ليهتدي إلى الاندماج النفسي معه، فيتصديان معا إلى المشكلات الزوجية بعد اكتساب عدد من المهارات الضرورية للتناغم والتعامل مع بعض المشكلات التي قد تبدو أحيانا عصية على الحل». وفي معرض تأكيده على أهمية هذه الدورات التي تؤهل المتدربين للتعامل الإيجابي مع الآخر، سواء كان أحد الزوجين أو واحدا من أهلهما، يشير المنيف إلى أنها من أنجع الحلول لتقليص نسبة الطلاق التي بلغت 40 % «ومن أسباب الطلاق أن الزواج أصبح عادة اجتماعية بعيدا عن مقاصده السامية والزوجان لم يتعلما قبل زواجهما أي شيء عن الحياة الجديدة وتربية الأولاد وبناء الأسرة». واتفق القرني مع هذا الرأي إذ يعزو المشكلات الزوجية في معظمها إلى ضعف التكوين العلمي والثقافي لكلا الزوجين أو أحدهما «ويكمن الحل في الدورات التأهيلية والورش التفاعلية التي تكسب كليهما ثقافة راشدة وتغير من نمط تفكيرهما وأسلوب الحوار بينهما، وقد لمسنا نتائج إيجابية على أداء المتدربين في حياتهم الزوجية والأسرية بعد تخرجهم من الدورة». ويبدو المنيف متفائلا إزاء النتائج التي تحققها هذه الدورات وهو يسوق أمثلة على النتائج التي حققتها «أحد الأزواج كان قرر الطلاق، وبعد حضور الدورة اتصل شاكرا ومؤكدا أن حياته اختلفت وأصبح سعيدا بزوجته وتبدل الجفاء الذي امتد طويلا بينهما إلى محبة وتعايش ووئام». وهو ما يؤكده القرني الذي يعول على حيوية هذه الدورات على المستوى الاجتماعي لا الفردي فقط «فالفائدة لن تقتصر على المتدرب فحسب، بل ستمتد إلى المجتمع كله؛ لأن المتدرب سيصبح داعية للأفكار الإيجابية التي تسلح بها خلال الدورة وبذلك يكون مؤثرا في محيطه». وانعكست هذه الأفكار حقيقة على سلوك المتدربين، كما يشير خالد السبيعي، أحد الذين خاضوا برنامج الدورات للحصول على «رخصة قيادة الأسرة» الذي التحق بالدورة مدفوعا بما قرأه عن أثرها الملموس، وهو يعرب عن امتنانه لجمعية «واعي» التي تطورت شخصيته وأفكاره بفعل دوراتها المتميزة «تعلمت مثلا عدم مواجهة المشكلة فور وقوعها والتأني حتى تهدأ نفسية الطرفين ليصبح العقل في أصفى حالاتها ويتمكن من التفكير وإيجاد الحل». ولا يختلف المتدرب عبدالكريم الصالح كثيرا عن زميله، فهو أيضا حضر البرنامج لتطوير مهاراته الأسرية والتعرف على أساليب التعامل الأمثل مع الزوجة والأبناء «واليوم أصبحت أكثر تفهما لخصوصية الحياة الزوجية، واطلعت على طرق التفكير المختلفة بين الرجل والمرأة، وهذا أعانني على تجاوز المشكلات» .