من التناقض أن تدعو لشيء وتحاربه في الوقت نفسه، أو تضع معايير تعتقد صحتها دون النظر إلى معايير الآخرين وقدراتهم ورغباتهم وفئاتهم العمرية. وعندما ندعو للقراءة ونعتبرها عصب الثقافة والعلم ونهضة الفكر، ثم نجعل المكتبة المدرسية حصرا على الكتب الأكثر مللا ولا تحاكي حاجة الطلاب والطالبات الفكرية والنفسية، فإننا باختصار نناقض أنفسنا. وقد اخترت المكتبة المدرسية بالذات لأن المدرسة من أهم مصادر البرمجة التي تؤثر في الأفراد، ومنها يأخذ الأبناء أهم العادات والأفكار سواء من الأقران أو من الهيئة التعليمية. فلا زالت عادة الجولات التفتيشية على حقائب الطالبات في المدارس تخضع لمزاجية بحتة في تحديد ما هو مسموح به وما هو ممنوع، بدءا من العطور وأدوات التجميل البسيطة التي تناسب سن الطالبة وانتهاء بالكتب الخارجة عن نطاق التعليم وحتى المجلات والروايات وقصاصات الشعر والصور والمقالات! فإذا أضفنا أنها مهمة رسمية لاختراق خصوصية الطالبة ومصادرة ما هو ملك لها من باب الحيطة والحذر وحمايتها حتى من مجرد التفكير، فإننا بذلك نبني جيلا يحمل بين طيات شخصيته عنادا وإصرارا على سبر أغوار الممنوع والمستور. فلماذا لا تكون المكتبة المدرسية مثالا للتنوع البعيد عن أسطورة المثالية؟! وأين الكتب العالمية من دراسات وروايات وشعر وقصص وتطوير الذات والعلاقات الإنسانية؟ ولماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عند اكتشاف كتاب أيا كان نوعه ومتداول في مكتباتنا العامة في حقيبة الطالبة، لتسجل تعهدا خطيا في أفضل الحالات إن لم يتطلب الوضع استدعاء ولي الأمر وإشعاره بمشكلة ابنته في البحث عن المعرفة وتثقيف ذاتها! وفي ظل هذا الانفتاح، لا بد أن نعترف بأن الحصار الثقافي محض سذاجة لا يمكن له أن يقاوم المد الهائل من الثقافات الخارجية؛ لذا فالحاجة ماسة إلى إرساء قاعدة الثقة في ثقافتنا بإمكانية طرح ومناقشة أفكار الآخرين واختيار ما يناسبنا، بدلا من إرهاق توقعاتنا بالخوف من ضياع الهوية وتسميم الأفكار، فما يمكننا مناقشته على طاولة مستديرة أكثر أمنا مما نمنعه بالقوة ليمارس في الخفاء وخلف ستار الرقابة. خارج النص: افتعال الخصام رسالة غامضة لوجع خفي.