إن أحسست ذات صباح ببعض الغرور، أو تسللت خيوط الكبرياء إلى نفسك ما عليك سوى امتطاء سيارتك و«دق السلف» إلى أقرب دائرة حكومية. هناك ستعرف أن «الله حق»، وستعرف أيضا أنه «لا كبير سوى الجمل». وهناك سترى كم أنت «مخلوق من تراب» وتكتشف كم أنت «تافه»، وتحس بالدونية وأنت تتنقل بين مكاتب أسيادك الموظفين، وعندها ستتلاشى مشاعر «البطر» التي كانت تتخللك هذا الصباح. وصفة معروفة لا تحتاج إلى اكتشاف، فبينما تأسست أعظم الشركات وأكبر الإدارات العالمية على مفهوم خدمي جدا يقول «الزبون دائما على حق»، تتناقل إداراتنا الحكومية مفهوما ينص على أن «المراجع دائما على شحم»، وأنه ليس سوى «طرار» لا ينبغي أن يعامل باحترام. لم يكتفوا بالحشف فقط، بل تجاوزوه إلى سوء الكيلة، فعلى الرغم من تأخر المعاملة وصفوف «السروات» التي يقضيها المراجع في انتظار الموظف الذي ذهب «ليدف له سيجارة» مع كأس من الشاي في وقت الدوام الرسمي ليعود يتمشى بتبختر وخيلاء ويفتح مكتبه وينظر «بنص عين» للأمم التي تجمهرت أمام مكتبه وكأن بهم «واقفين» أمام باب مجلسه الخاص يريدون خطب وده، وليس كأنه وضع لخدمتهم. ويبدأ بكيل الكلمات المعهودة لجموع المراجعين، «تعال بكرا قلنا لك»، «ما تفهم أنت قلت لك ما لك سنع»، «اطلع برا يالل».. إلخ من المسلسل الكلاسيكي. نفس هذا الموظف لو ذهبت لواسطة «تسوى» وعدت إليه، ستجده «يتلقفك» كما لو كنت قطرة زئبق بينما كان قبل قليل يتمنى لو كنت كرة ليركلك بعيدا عنه. - تخيل، عزيزي القارئ، لو تم وضع أوراق لتقييم الموظف من قبل المراجعين عند كل مكتب، يوضع فيها علامات خمس يختار المراجع ما بينها. وتنعكس نتيجة التقييم على ترقية الموظف وزياداته وأدائه الوظيفي. - تخيل كيف ستتغير معاملة الموظفين، وتخيل أيضا مقدار البيروقراطية التي سيتم القضاء عليها. فالمراجع لم يعد يريد أن تنتهي معاملته، أكثر من أن يقابل باحترام، وأن يتم معاملته ككائن لا أكثر. أو تخيل لو كنت تملك جرعة مفرطة من «فيتامين واو» تتيح لك تخليص معاملاتك وأنت في المنزل، بشكل ينافس الحكومة الإلكترونية!. يا إله الواسطة ارزقنا.