اعتاد المرء محبة الأمكنة التي رسم على جنباتها ذكرياته، وكان لمعلمها نقش في روحه، فما بالك حين يكون الارتباط بأمّ، وأب، بأحضان الرعاية والعطف، والمحبة؟. قضية طفلي نجران اللذين تمّ تبديلهما خير مثال على ذلك الارتباط، وتلك العلاقة التي لا تفصل فيها الأوراق الرسمية، ومرافعات المحاكم. القضية مؤجلة إذ أجلت الدائرة الرابعة في ديوان المظالم بمنطقة الرياض أمس النظر في قضية طفلي نجران بناء على طلب ممثل وزارة الصحة ، المقدمة من عائلة سعودية ضد وزارة الصحة وذلك بناء على طلب ممثل الوزارة لاستكمال بعض المستندات المتعلقة بأبعاد القضية. وفيها أنه تم تبديل طفل العائلة السعودية "يعقوب" مع طفل العائلة التركية " علي" في مستشفى الملك خالد بنجران قبل نحو 6 أعوام حين اكتشف الأمر بعد أن عاش كل منهما أربع سنوات في أحضان أسرته المغايرة . وأوضح وكيل العائلة السعودية المحامي عبدالله رجب آل مشرف في تصريحات ل" الوطن" أن ممثل وزارة الصحة قد عرض مذكرة كتابية يفيد فيها أن الخطأ الذي حدث في قضية تبديل طفلي نجران طبي وليس لديوان المظالم صلاحية النظر في مثل هذه القضايا التي تخضع للهيئات الطبية الشرعية التابعة لوزارة الصحة وطلب إعطاء مهلة لاستكمال بعض المستندات المتعلقة بأبعاد القضية وقرر القاضي تأجيلها إلى الاثنين 7/11/1430. وأبدى آل مشرف أسفه لمماطلة وزارة الصحة في طلبها استكمال المستندات التي كان بالإمكان استكمالها في الفترة بين الجلسة السابقة التي عقدت في 27/8/1430 وجلسة أمس، وبلغت أكثر من 50 يوما مشيراً إلى أن خطأ تبديل طفلي نجران يعد خطأ إداريا وليس خطأ طبيا ويخضع للائحة التابع والمتبوع التي تحمّل أخطاء الأشخاص في المؤسسات الحكومية والخاصة الجهات التي يتبعون لها. مأساة الفراق وأوضح الأب السعودي محمد سالم آل منجم أنّ الأسرتين تعيشان وضعا مأساويا بسبب عدم تأقلم الطفلين مع أبويهما الحقيقيين مشيراً إلى أن الطفل التركي "علي" الذي عاش معه وأسرته خلال الست السنوات الماضية سافر مع أسرته التركية إلى تركيا وابنه السعودي "يعقوب" يجلس مع أسرته في نجران حيث أحدث هذا الأمر متاعب نفسية للطفلين وللأسرتين بسبب اتساع الفجوة في عملية التعايش الأسري والنفسي والمجتمعي،حيث يجري كل طفل منهما اتصالا يوميا مع الأم المفترضة التي ترعرع في أحضانها على مدى السنوات الست الماضية ، ولا يستطيعان الصبر حتى ليوم واحد دون إجراء اتصال. وقال إن هذا الأمر أصبح بمثابة وجبة العشاء اليومية والتهيئة النفسية قبل النوم.مشيرا إلى أنّ الطفل التركي "علي" ما يزال يمتلك جواز السفر السعودي كهوية رسمية والطفل السعودي "يعقوب" يمتلك الجواز التركي ويسافران بهما بين المملكة وتركيا حتى هذه اللحظة . وقال إن ابنه "يعقوب " سيلتحق بالصف الأول الابتدائي في إحدى المدارس الأهلية بنجران السبت المقبل وأبلغه منسوبو المدرسة أنهم سيتعاملون مع ابنه كحالة خاصة من خلال تكثيف البرامج والتدريبات اللغوية المتنوعة. إلى ذلك قال التركي يوسف جاوجا في اتصال هاتفي أجرته "الوطن" بمقر إقامته في مدينة أنطاكية التركية أمس:" أنا أثق في نزاهة الجهات الرسمية في المملكة بما فيها ديوان المظالم للأخذ في الاعتبار الأضرار البالغة التي لحقت بالأسرتين السعودية والتركية جراء تبديل طفلينا أثناء الولادة في مستشفى الملك خالد بنجران, وأنا الآن أرافق زوجتي لمراجعة اختصاصي الصحة النفسية في المستشفى الدولي في أنطاكية نتيجة تعرضها لاضطرابات نفسية بالغة بعد فراقها لابنها من الرضاعة الطفل السعودي يعقوب محمد آل منجم منذ عشرة أيام حيث سافرتُ بعائلتي إلى تركيا وبرفقتنا ابننا الحقيقي علي وتركنا الابن يعقوب عند والده في مدينة نجران السعودية حيث يقطن في السكن المؤجر لنا من قبل وزارة الصحة بالمملكة". وأكد جاوجا عدم تقبل طفليه الآخرين أحمد (تسع سنوات) وإيلين (عشر سنوات) لضيفهم الجديد "علي" بعد أن مكثا سنوات مع أخيهم من الرضاعة السعودي "يعقوب" وقال:"إنهما يلحّان في السؤال عن يعقوب ويكرران متى سنعود لمشاهدته وهذا ما يجعلني أفكر في قطع إجازتي السنوية والعودة للمملكة سريعا بالعائلة رغم أنني ألحقت أطفالي الثلاثة بمدرسة تركية في مدينة أنطاكية وعند عودتنا ربما ألحقهم بمدرسة خاصة بالرياض أو نجران". وعن مدى إتقان ابنه "علي" للغة التركية بعد سنوات عدة من التأهيل قال :" إننا في العام الماضي ألحقناه بإحدى مدارس رياض الأطفال في تركيا حيث بدأ يتحدث التركية ولكن بالكلمات البسيطة مثل بابا – ماما – إضافة إلى أسماء بعض المأكولات والمشروبات" . لتبقى معاناة الأسرتين، وقبلهما طفلاهما مستمرة دون ذنب سوى أنهما جاءا إلى عالمنا لتكون الهفوة الأصعب والأمرّ في انتظارهما.