احتفالات إسرائيل بذكرى مرور 60 عاما على تأسيسها ، تختلف كثيرا عن الأعوام السابقة ، حيث دعت معظم قادة العالم لمشاركتها الاحتفالات ، وهذا ما فسره مراقبون بأنه حملة دعاية مقصودة لتأكيد نجاح المشروع الصهيوني في بلوغ معظم أهدافه من ناحية ، وتقديم الشكر للأشخاص الذين قدموا كافة التسهيلات لإنجاح هذا المشروع من ناحية أخرى. فاصرار إسرائيل على مشاركة بوش في إحياء ذكرى وقوف ديفيد بن جوريون ليعلن قيام إسرائيل في 15 عام 1948 ، هو عرفان بالجميل لهذا الرئيس الأمريكي الذي بدونه ما كانت إسرائيل لتنجح في التغلغل بالعراق والوصول لثروته البترولية ، وما كانت لتنجح في تقسيم الفلسطينيين وإشعال الاقتتال الداخلي فيما بينهم ، والحصول في الوقت ذاته على اعتراف أمريكي بيهودية إسرائيل ، وهى أمور كلها تصب في النهاية في تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة . ولاننسى أيضا أنه لولا بوش ماكانت إسرائيل لتصل إلي إقليم دارفور السوداني الذي يحتوي على ثروات من اليورانيوم والبترول لاحصر لها ، وماكانت لتصل أيضا للصومال وللتطبيع مع بعض الدول العربية من غير دول المواجهة سواء كانت خليجية أو مغاربية ، وكلمة السر في كل هذا هى الحرب على مايسمى بالإرهاب التي دشنها بوش والمحافظون الجدد بعد أحداث 11 سبتمبر وربطت بين المقاومة والإرهاب وأيضا بين الإسلام والإرهاب. وبناء على ماسبق ، لم يكن مستغربا أن تكون احتفالات هذا العام على خلاف سابقاتها ، حيث تقرر أن تبدأ منذ 10 مايو بإقامة عروض عسكرية جوية وبحرية وبرية في القدسالمحتلة ، وبحضور كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير وآخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف وإمبراطور الإعلام اليهودي روبرت موردخ ، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر والفائزة بجائزة نوبل للسلام إيلي ويسيل والرئيس التشيكي السابق فاتسيلاف هافيل والبروفسور في جامعة هارفارد الأمريكية آلان ديرشويتس والملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون . وأكثر ما يثير الجدل هو تأكيد رئيس دولة إندونيسيا المسلمة الأسبق عبد الرحمن واحد حضوره الاحتفالات على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين بلاده والكيان الصهيوني ، بالإضافة إلى حضور سيرجي بريين مؤسس موقع "جوجل" العالمي ومارك جوكربيرج مؤسس موقع "فيس بوك" ، وهي مواقع إعلامية يفترض بها الحياد . لاعزاء للدولة الفلسطينية أطلق الفلسطينيون والعرب على ذكرى تأسيس إسرائيل فى 15 مايو 1948 مصطلح "النكبة" للتعبير عن مرارة وقسوة اغتصاب معظم أراضي فلسطين وتشريد شعبها وزرع الكيان الصهيوني في خاصرة الوطن العربي . ويصفة عامة ، يحيى الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية وفي داخل إسرائيل نفسها " عرب 48 " ذكرى النكبة بالخروج في مسيرات ومهرجانات عديدة في محافظات ومدن ومخيمات وقرى فلسطين كافة لتذكير العالم أجمع باليوم الذي أقدمت خلاله العصابات الصهيونية على تهجير آلاف الفلسطينيين عن أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم ومصادرة حقهم بإقامة دولتهم المستقلة وتحويلهم إلى شعب من اللاجئين في الشتات القسري وفي مخيمات المعاناة خارج حدود وطنهم في لبنان وسوريا والأردن والمناطق الفلسطينيةالمحتلة. والرسالة هنا واضحة وهى التأكيد على التمسك بحق العودة لفلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وإخلاء جميع المستوطنات لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بجانب إسرائيل في حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدسالشرقية. وتأتي الذكرى ال 60 للنكبة ، والفلسطينيون في حال لايحسدون عليه ، حيث يتعرضون لحصار لاسابق له من المحتل الإسرائيلي ومن الغرب وحتى من بعض الأطراف العربية عقابا لهم على انتخاب حماس في الانتخابات التشريعية التى أجريت في 25 يناير 2006 ، ولم تقف الماسأة عند هذا الحد ، ففي 14 يونيو 2007 ، حلت الكارثة باندلاع مواجهات دامية بين فتح وحماس أسفرت عن سيطرة حماس على قطاع غزة وتمزيق الصف الفلسطيني الواحد وهو الأمر الذي لم تكن إسرائيل لتفوته حيث فرضت حصارا خانقا على غزة اندلع على إثره اتهامات متبادلة بين فتح وحماس ، حيث وجهت للأولي تهمة الارتماء في حضن إسرائيل وأمريكا ووجهت للثانية تهمة الارتماء في حشن المشروع الإيراني . وفي حال كهذا ، تملصت إسرائيل من التزاماتها فيما يسمي عملية السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بل وظهرت أيضا تلميحات لإقامة الدولة الفلسطينية التي طال الحديث عنها في إطار عملية السلام في الضفة الغربية فقط وترك غزة تواجه الحصار والجوع والموت بل وهناك من تحدث عن ترحيل سكان غزة لسيناء المصرية أو إعادة غزة إداريا لمصر وهى كلها أمور خطيرة تؤكد تراجع القضية الفلسطينية لعقود للوراء بعد انجازات كانت تحققت خلال الانتفاضة الأولى وفي بدايات الانتفاضة الثانية ، فهل يعي الفلسطينيون إلى أي مصير يتجهون ؟ .