باسم الأعراف والتَّقاليد التي ما أنَزْل الله بها من سلطان قامت عادتٌ كثيرةٌ تزري بالمرأة ، وتسعى لتأخيرها ، وترفض منحها حقوقها الماديّة والأدبيّة التي أقرَّها الشَّارع الحكيم ، فماتَتَ في خضم ذلك إنسانيتها على مرِّ القرون ؛ وتولّى كِبر ذلك متديّنون جَهَلة بالإسلام يحسبون التَّقوى في تجهيل المرأة وإذلالها ، حتّى تربَّت أجيالٌ عديدة على تلك العقليّة ، فباتَ (صوت المرأة عورة) ، وأضحى (حضورها مفْسَدة) ، وإن تغنَّى البعض بأنّها الأمّ ، والأخت ، والزّوجة ...!! إنَّ مطالعة يسيرة في ثنايا خطاب القرآن الكريم ، والنَّص النَّبوي الصّحيح ترينا ذلك الحضور القويِّ للمرأة ؛ عبادةً ، وإصلاحًا ، ومشورةً ، وجهادًا ، وأمرًا بمعروف ، كلّ ذلك حاضر في عمق النَّص القرآني والسِّيرة النَّبويّة حتّى دخل الانحراف في العقول ، وسيطر العُرف على الأفهام ، فإذا المرأة في عقول هؤلاءِ وأفهامهم (كَلُّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير) ، فلو كانوا على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- لطالبوه بطرد السَّيدتين اللّتين حضرتا بيعة العقبة الكبرى ؛ ولسان حالهم يقول: (مال النّساء وهذه الشُّؤون؟!). ولو حضروا يوم الفتح الأكبر لقالوا للرسول - عليه السَّلام-: (حسبك بيعة الرِّجال وهم يُعلِّمون نساءهم .. فَخَروجَهنَّ لهذه البيعة قد يكون من أسباب جرأتهنَّ وغرورهنَّ) ؛ ولكنَّهم أبوا أن يُتْعِبوا أنفسهم بحثًا في سيرة الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - ؛ ولو أتعبوها لرأوا عجبًا من القول والفعل حين أضحت النّساء أبطال الموقف بامتياز ؛ فهذا يوم حنين ؛ وما أدراك ما يوم حنين ! لقد انهزم البعض وأسلموا سيقانهم للرّيح ، وثبت مع المؤمنين الرَّاسخين بضعة نسوة يقاتلن بشرف وبسالة ، ويدافعن عن نبيّهن - عليه الصّلاة والسّلام - أشرف ما يكون الدِّفاع ، وهن أشبه بالآساد من حوله. أخرج البخاري في صحيحه أن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم- دخل يوم الحديبية على أم سلمة ، يشكو إليها أنَّه أَمَرَ الصَّحابة بنحر هداياهم وحلق رؤوسهم فلم يفعلوا ! فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك ؟ اخرج ولا تكلّم أحداً منهم كلمة حتّى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله وفعل ما أشارت به أم سلمة. إنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في غنى - بما منحه الله من دراية وحكمة في معالجة الأمور وحل المشكلات - عن استشارة أم سلمة وغيرها - رضي الله عنها - ولكنَّه - كما قال الحسن البصري: أحب أنْ يقتدي النَّاس به في ذلك ونحوه ، وأنْ لا يلقى أحد منهم معرّة في مشاورة امرأة ، قد يرى نفسه أوفر منها دراية ، وأنفذ بصيرة وفهماً. وقد صَحّ أنّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قد استشار ابنته حفصة في المدة التي لا تستطيع الزوجة أنْ تصبر فيها عن بُعدِ زوجها عنها ، فأمضى كلامها ، واتّخذ من رأيها في ذلك أجلاً أقصى ، للمكوث في الثُّغور ومواقع الرَّباط في الغزوات. وجاء في تاريخ الطبري ما أشارت به نائلة بنت الفرافصة الكلبية لزوجها عثمان - رضي الله عنه-: (تتقي الله وحده ، وتتّبع سنَّة صاحبيك من قبلك). ثمَّ جاء من بعدهم من دفع بتلك الصَّفحات دفعًا نحو نسيانها ؛ لتحل محلها تقاليد أساسها قائم على أنَّ المرأة متعة في البيت لفحل يغدو ويروح لا صلة لها بعلم ، ولا عبادة ، ولا جهاد ، ولا إصلاح ، ولا شورى ، ولا مشاركة ؛ وتناسوا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). وتجاهلوا في غمرة الفحولة ، أنَّها مسؤولة مسؤولية كاملة كالرَّجل في تكافؤ الدِّماء والسَّعي بالذِّمة: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) ؛ كما في حديث أم هاني. وبعد ؛ أما آن الأوان أنْ يكفَّ هؤلاءِ عن محاول إخفات صوت المرأة بدعاوى - لاشكَّ - تتهاوى أمام الدَّليل ، وتسقط عند البحث والبُرْهان! ألا يحقّ لنا القول بعد هذا إنَّ دخول المرأة في مجلس الشُّورى عضوًا ، وإعطاءها حق الانتخاب بالضَّوابط الشَّرعيّة كما أمر بذلك خادم الحرمين الشَّريفين الملك عبدالله - حفظه الله- يعدّ من القرارات الجوهريّة التي تصبّ في خانة التّقدير التي أقرّها الشَّارع الحكيم ؟!