في عصر ما قبل الإعلام الجماهيري بصورته التقليدية القديمة نسبياً ، كان الوزير المكلف بمصلحة معينة هو عين الخليفة ورأيه وصاحب قراره ، فهو كالحاجب في العصور القديمة كما في عهود بني أمية وبني العباس وغيرهم . وكان الحاجب فعلاً هو الوزير أيام حكم المسلمين في ديار الأندلس الجميلة . وفي العهود المتأخرة من ذلك الحكم احتجب الحاكم وغاب الحاجب ، فضاع الناس ، بل وضاعت الخلافة كلها . ولما بكى آخر حكامهم سقوط غرناطة ، صاحت به أمه قائلة: (ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال) . وحتى مع سطوة الإعلام اليوم التقليدي منه والبديل ، فإن للمسؤول فيه شأن كبير ، فهو الحاجب للحقيقة إن أراد ، وهو مستبدلها بعكسها إن أراد ، وهو مظهرها كذباً وافتراء إن أراد ، خاصة إذا كانت آليات التثبت من الحقيقة تقليدية بطيئة تُعاد إلى مصدرها في الغالب لإبداء الرأي وكتابة الرد ، فكأن المسؤول هو الخصم والحكم ! وعبر التاريخ القديم ، كان للحُجّاب مواقف متباينة سجل التاريخ منها غالباً ما غلظ مما استاء منه الناس ، فاشتكوا وتذمروا ، وأنشدوا من الأشعار ما حفظته الأسماع وسطرته الأقلام . وهذا أحدهم يشتكي قائلاً: قل للذين يحجبوا عن راغب=بمنازل من دونها الحجاب إن حال عن لقياكم بوابكم=فالله ليس لبابه بواب * وقال آخر: ولقد رأيت بباب دارك جفوة=فيها لحسن صنيعك التكدير ما بال دارك حين تدخل جنة=وبباب دارك منكر ونكير؟ * وقال أحدهم متأدباً: سأهجركم حين يلين حجابكم=على أنه لا بد سوف يلين خذوا حذركم من صفوة الدهر إنها=وإن لم تكن خانت فسوف تخون وقيل لبعض الحكماء: ما الجرح الذي لا يندمل . فقال حاجة الكريم إلى اللئيم ، ثم يرده بغير قضائها . قيل: فما الذي هو أشد منه ، قال: (وقوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يُؤذن له) . اللهم اغننا بطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، ولا تجعل حاجة الكريم إلا إليك يا كريم .