حقيقة يكاد شعري يقف من كثرة ما يتم تداوله من قصص الفساد المستطير . وهذا تحقيق نشرته المدينة (5 ابريل) عن مشروع تمت ترسيته على مقاول ما بمبلغ 28 مليون ريال لتنفيذ أعمال رصف في المنطقة القديمة (التاريخية) في قلب جدة . وبحسبة بسيطة كان سعر رصف المتر المربع الواحد 405 ريالات ، لكنه انتهى في النهاية إلى المقاول السادس من الباطن بسعر 25 ريالاً للمتر المربع ، أي بقرابة 6% من القيمة الأصلية . هذا المقياس الصغير يعطي فكرة مبسطة جداً عن المقاييس الأخرى الكبيرة التي يشيب لهولها الولدان ، وربما يشب لعجائبها العجزان . الكارثة أن مجرد الاطلاع على دفاتر الشروط والمواصفاِت ، وعلى بنود العقود يصيب أكبر شنب في أتخن رأس بالدوار والرعب لشدة ما فيه من العقوبات والجزاءات لمن يخالف أبسط بند ، بينما في الحقيقة (كله ممكن) من تحت الطاولة ومن فوق الطاولة . وأما تصنيف المقاولين فهو لرد العين عن الحاسدين ، ومقصور على عدد قليل من أصحاب الحظوة والمنتفعين وما عدا ذلك فالتصنيف في واد والتنفيذ في واد آخر . كيف يمكن تنفيذ مشروع قيمته 28 مليونا ، بمليونين فقط لا غير . كم يا تُرى من الفساد مستتر وراء نظام المناقصات والمشتريات الحكومية ؟ وكم من الأموال كان بالإمكان توفيرها لو توجهنا مباشرة إلى مقاول الباطن رقم 6 أو 10 بدلاً من هذه السلسلة الطويلة التي (يهبر) كل هامور في حلقاتها ! والمشكلة أن الخسارة لا تقتصر على التكلفة المرتفعة فحسب ، ولكن في التنفيذ الرديء غالباً (على قد الفلوس) ، مما يعني في النهاية بعد سنوات قليلة رصد مبالغ جديدة لإعادة طرح المشروع نفسه ، فضلاً عن تكاليف الصيانة الباهظة ، وإلا فالاستفادة المحدودة جدا من مشروع لم يُنفذ جيدا ، أي أنه سيكون عبئاً على المستفيدين منه بدلاً من أن يكون ميزة لهم . المشكلة الأكبر أن نظام المناقصات والمشتريات هذا بكل الثغرات الميدانية الواضحة يدخل بالنسبة للبعض في باب (المقدسات) التي لا يجوز بحال من الأحوال المساس بها أو المناداة بإعادة النظر فيها فضلاً عن شطبها كلية وإعادة كتابتها من جديد .