تذكرني أحداث جازان المؤلمة بالغزو العراقي للكويت عام 1990 وهجومها الغادر على بلد مجاورة لها، وكيف امتدت تلك الحرب بدمارها لبلادنا الآمنة وكيف كانت بعدها روعة التلاحم التي عمت الشعب السعودي بتعاطفهم مع الشعب الكويتي لمدة شهور الغزو، وكان من أكثر المواقف فخراً حينها مشاركة النساء السعوديات في لجان كثيرة لمساعدة العوائل الكويتية،ومرابطة الكثير من العاملات في بعض الجهات الحكومية في أعمالهن ليلاً وبدون إجبار بل برغبة منهن للمساهمة في الحفاظ على استقرار الأوضاع الداخلية للبلاد، وكانت لي تجربة في تلك المشاركة خلال نطاق عملي لم أنسها لهذه اللحظة لأنها تجربة وطنية مشرفة. ومع الأحداث التي تمر بها بلادنا هذه الأيام من انتشار لوباء أنفلونزا الخنازير، إلى الاعتداء العدواني على الحدود الجنوبية ومواجهة جنودنا لذلك الاعتداء بكل شجاعة، وما نتج عنها من اعتداءات على أمن الغافلين إلى استشهاد الجنود المدافعين عن ذلك الاعتداء الغاشم، ثم كارثة سيول جدة التي كشفت جوانب مؤسفة للفساد الإداري الذي لا يتوقف على جدة فقط بل فتح مواجع كثيرة على المواطنين في أنحاء عدة من البلاد ، إلى الجهود المثالية التي تقدمها حكومتنا المعطاءة في موسم الحج وما تتحمله من اتهامات الناعقين طوال ذلك الموسم من حيث التشكيك في مستوى خدماتها المقدمة لضيوف الرحمن، وتحملها لأحداث كثيرة تصدر من حجاج بعض الدول واحتوائها الحكيم لتلك الوفود بتوجهاتها ومعتقداتها المختلفة بكل هدوء، وافتخارها بأن ما تقوم به من واجبها الديني الذي تتشرف به، لدرجة أن الكثير يتساءلون وبتعجب\"لو أن الحج في دولة أخرى غير السعودية \"ماذا سيكون مصير ومآل الحجاج\"؟ من هذا المنطلق تبرز لنا الحاجة الماسة للمساندة الاجتماعية من المواطنين بمختلف أعمارهم وجنسهم تجاه ما يجري من أحداث اجتمعت في وقت واحد، وهذه الأحداث فرصة قوية لتقييم الوطنية لدينا وما تحمله من عطاءات مختلفة في الكم والنوع تجاه كوارث بحاجة للتأهيل النفسي والاستعداد البشري والمادي لمواجهتها والتكيف مع نتائجها . ولأننا باستمرار نشكو من السلبية والاتكالية لدى فتياتنا وشبابنا في مختلف جوانب متطلباتهم الحياتية، إلا أن ما قدمه شباب \"جازان\" تجاه الساكنين في مخيمات الإيواء على الحدود الجنوبية، وما تقدمه الآن مجموعات التطوع من نساء ورجال للمتضررين من سيول جدة، دلالات على بشرى خير على تكاتف المجتمع والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، ودليل ستوثقه سجلات الانجازات الوطنية بأننا ولله الحمد مجتمع أخوي يقف بجانب بعضه البعض كالبنيان المرصوص، ولكننا ننشد الكمال في هذه الخدمات الاجتماعية الجليلة ونبحث عن اتساع مساحات التطوع ليكون مبدأ نزرعه في أطفالنا منذ الصغر ويتم ترسيخه لديهم من خلال المناهج الدراسية ومواقف الحياة اليومية، وهذا لن يتم إلا من خلال دعم وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء جمعيات للعمل التطوعي على مستوى مناطق المملكة وعدم الاكتفاء بمنطقة واحدة فقط لأنها الجهة الوحيدة التي تحفل بعاملين لهم خبرات طويلة في مجال العمل الاجتماعي الميداني.