لماذا -وفي أحيان كثيرة- نلقي باللوم على مجموعة من الجهات الحكومية، ونخطّئها، ونحمّلها المسؤولية كاملة، بينما نحن شركاء في هذا الخطأ، بل نحن مَن يرتكب الأخطاء على المستوى الفردي، وكأن هذه الجهات هي التي عليها أن تحمل على عاتقها عواقب كل التصرفات غير المسؤولة، من أفراد لا يشعرون بمسؤولية تجاه ما يصدر عنهم من تصرفات سلبية! لنتأمّل تصرفاتنا، ونحكم على أنفسنا من خلال هذه التصرفات بالعقل لا بالعاطفة، فنحن نطالب كثيرًا بأن يكون النظام للعمل بشكل عام انسيابيًّا ميسّرًا، يعمل على قضاء حوائج الأفراد دون إجحاف، أو مماطلة، أو إرهاق.. وعندما يوضع النظام لتحقيق ذلك، ويبدأ التطبيق، كثيرًا ما نجد التذمّر والشكوى!! نطالب بأن تكون حركة السير في الشوارع والطرقات انسيابية ومرنة، ونجد في المقابل أفرادًا يعملون على تعطيل هذه الحركة بتصرفات غير مقبولة! نطالب بأن تكون النظافة في الأماكن العامة على مستوى عالٍ، بينما نجد أفرادًا كثرًا يرمون بالبقايا من نافذة السيارة في الطريق، وعندما يكون في مكان عام للترفيه، يجلس هو وعائلته، ويستمتعون بوقتهم، وحين الذهاب يتركون وراءهم المكان يعج بالفوضى، دون مراعاة لشعور مَن يأتي بعدهم، ثم نلوم البلدية على هذا التصرّف غير المسؤول! نشكو انقطاع الكهرباء، ونجد أفرادًا يستخدمون أكثر من حاجتهم في المنزل، من أجهزة التكييف وغيرها؛ لا لشيء.. فقط ليبقى المكان باردًا متى ما جاءوا؛ لئلا تذوب أجسادهم (الزبدة) من وهج الظل. ونلوم شركة الكهرباء على ذلك! نشكو من انقطاع المياه عن منازلنا، بينما نجد أفرادًا يقومون بغسيل سياراتهم في الشارع بإسراف، وكأنهم على نهر جارٍ، والآخر ينظف أسنانه، ويترك صنبور الماء مفتوحًا دون حاجة. وناهيك عمّا يُهدر في المسابح فحدّث ولا حرج، ونلوم مصلحة المياه على ذلك! نشكو من كثرة العمالة الوافدة لبلدنا في الحرف المهنية، ومن قلة الوظائف لأبنائنا، الذين لم تسمح لهم ظروفهم بإكمال تعليمهم، ونزرع فيهم مدى حقارة مَن يمتهن هذه المهن، وأنها مهن لا تليق بهم. ونسمح للعمالة الوافدة بامتهانها، وكأن أبناءنا هم البشر وهذه العمالة هم غير ذلك، والنتيجة هم مَن يصدّرون ملايين الدولارات من تلك المهن، وأبناؤنا يعضّون الأصابع، ونلقي باللوم على وزارة العمل! إذن.. لماذا نصب جام غضبنا، ونلقي باللوم على الجهات الحكومية، ونحن مَن تسبب في الخطأ؟! لستُ هنا في مقام المدافع عن تلك الجهات الحكومية، ولا أُبرّئها، ولا أًخليها من المسؤولية في كونها قصّرت كثيرًا في ما أُسند إليها من واجبات. بل أُحمّل جزءًا من المسؤولية لنا -نحن المواطنين- في أننا لم نساهم، ولم نقم بدورنا الفاعل في خدمة أنفسنا، ولم نحقق مبدأ الولاء الذاتي لبلدنا الحبيب، بل ما نرى إلاّ التذمّر والتشكّي. المسألة هنا -وبكل صراحة- هي التربية الذاتية لكل فرد منّا فثقافة الفرد وقناعاته، وكيفية نظره للأمور من زاوية واحدة فقط، وهي أنا والطوفان من بعدي «الأنانية». نريد أن يوفر لنا، ولا نريد أن نبذل أو نساعد. فلو زرعنا في أنفسنا مبدأ التضحية والإيثار والتعاون، واستحضرنا مبدأ سفينة المجتمع، والذي ذكره نبينا صلوات الله وسلامه عليه في قوله: “والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” ومبدأ الوحدة «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا» سنحقق ما نريد. فهل نأخذ على عواتقنا أن نكون أفرادًا فاعلين في المجتمع، وأن نبدأ بأنفسنا أولاً لنساهم في تحقيق ما نطالب به الآخرين؟ ويتحقق ذلك متى ما أيقظنا في ذواتنا الرقابة الذاتية، وهو ما يُسمّى ب “الضمير الحي”. دخيل الله عتيق السلمي - جدة