عارض أولياء أمور، مشاركة بناتهم، في الأعمال التطوعية، التي تنتشر في الكثير من أحياء جدة أخيرا، والسبب شبهة «الغمزات» التي بدت تلوح في أفق الأعمال التطوعية. الكل في الأحياء لا يتحدث إلا عن الحرص على المشاركة في التطوع، ويبدو أن مشاركة بعض الفتيات من الأسر الاجتماعية المعروفة، حفز الأخريات على المشاركة، إلا أن شبهة «النية السيئة»، في مشاركة بعض المتطوعين الشبان، جعلت عددا من أولياء الأمور يعزف عن الموافقة على مشاركة بناته، بداعي الرغبة في إغلاق ملف الشبهات. وفيما بدأ العمل التطوعي يخسر الكثير من أنصاره، خصوصا من الفتيات، دبت حالة من الانتقادات في الأوساط الشبابية، بعدما كرس فيلم من إنتاج مجموعة من الشباب، مبدأ «علاقات التعارف»، في ميادين العمل التطوعي، حيث أظهر الفيلم أن: «التطوع ليس إلا بيئة للتعارف والتشبيك»، الأمر الذي جعل الكثير من اللغط يدور حول مشاركة متطوعات سابقات في الحملات السابقة، ويحول دون مشاركة متطوعات لاحقات في الحملات المقبلة. فما الذي يدعو هؤلاء الشباب للتفكير في الحد من العمل التطوعي بهذه اللافتات والأفلام المنتقاة، أو ليس وجود بعض الشخصيات ممن ربما أساءوا للعمل التطوعي بشكل أو بآخر «بافتراض التوصل إليهم، ووجودهم»، يعد من الحالات الفردية، التي لا يجب أن تجعل العمل التطوعي المجال المستهدف بأي حالة من الأحوال، وهل من حق المتطوعات القلق من مصير المشاركات المستقبلية خوفا على سمعتهن، أم أنه لا مبرر لمثل تلك التخوفات، ويجب الاستمرار بقاعدة عدم الالتفات للانتقادات؟ وإذا كانت بعض الجهات «حسب مصادر شمس»، بدأت فعليا في حظر المشاركة النسائية في الأعمال التطوعية: «وحصرت التطوع لديها على الذكور فقط، ومنعت الفتيات من الانضمام للعمل خشية الوقوع في شرك الافتتان أو تحويل علاقات العمل إلى علاقات عاطفية خارجة عن نطاق العمل»، فهل القرار يعد إثباتا وتأكيدا لصدقية الفيلم أو تلك الغمزات أو تلك الشبهات؟ خداع الآباء أحد أولياء الأمور الرافضين لعمل الفتيات في الأعمال التطوعية حسن جابر، استنكر ما يحدث داخل أروقة العمل التطوعي من غير علم الوالدين: «فوجئت حقا بما يحدث داخل بعض مشاريع التطوع، واستغربت جدا من بعض الأفعال التي يقوم بها الشباب تجاه الفتيات أو العكس، وكنت أظن أنهن يذهبن لأداء واجب إنساني، إلا أنني وجدت أن هذا الواجب لا يمثل أكثر من 20 %، وبقية الوقت يمضينه في الكلام الفارغ وتبادل النكات مع الشباب». كشف الحقائق ويعتقد حسن أن فيلم التطوع كشف له حقائق كانت خافية عنه وعن جميع أولياء الأمور: «العمل التطوعي الذي غررت به ودفعت إليه أخواتي في ظاهره عمل راقٍ، إلا أن باطنه غير مستحسن، وعند علمي بما يحدث داخله منعتهن من المشاركة في أي عمل تطوعي أيا كان، وأرى أن التطوع داخل البيت في مساعدة الأم أشرف من العمل خارج المنزل، وعلى أولياء الأمور الغيورين منع بناتهن من المشاركة في هذه الأعمال، حفاظا عليهن من الطيش، وتوجيه طاقاتهن للاستفادة منها داخل البيت، فالبيت خير مكان للعمل التطوعي». لا تغيبوا المرأة وينظر أحد أولياء الأمور الذين رفضوا الاستسلام لفيلم التطوع عبدالله سالم، للحدث بأنه يجب تناوله بشيء من الحيادية، بعيدا عن التعصب والانفعال، معترفا بوجود ممارسات شاذة في أي عمل: «ظهور بعض من تلك الممارسات يجب ألا يغيب المرأة عن دورها في العمل التطوعي، وأعتقد أن فيلم التطوع الأخير الذي أظهر سلوكيات خاطئة لبعض المتطوعين والمتطوعات قدم جرعة عالية من النقد، فيما كانت ردود الأفعال عليه ناتجة من أننا مجتمع غير متعود على مثل هذه الجرعات، وأود تأكيد أن ما ذكر في الفيلم صحيح تماما لكل من يعرف التطوع، كما أن خلافه صحيح كذلك». وأشار إلى أن: «مجال المرأة في الأعمال التطوعية أكثر بكثير مما يمارس الآن، فهناك مجالات لا تستطيع تغطيتها إلا المرأة، فالمشكلة في الانتقائية في التعامل مع مسألة التطوع، شأنها شأن جميع قضايا المرأة في المملكة، فتعامل المرأة مع الأيتام بكل تأكيد سيكون أجود من تعامل الشباب، وتغطية الفتاة لحاجات النساء الخيرية أولى من الرجل، وقيام الفتيات بحملات التوعية حول مشاكل النساء وأمراضهم بل وحتى احتياجاتهم هو مجال رحب للغاية». العودة للمنازل الراغبات في التطوع، بدأن الامتناع عن المشاركة في الأعمال التطوعية المستقبلية، رافعات شعار «العمل المنزلي أولى»، بدلا من العمل في مجال لا ينلن منه إلا سوء السمعة. وأكدت بعض الناشطات في العمل التطوعي ل «شمس» أن: «الفيلم سبب لهن ضررا نفسيا واجتماعيا، وأدى إلى النظر إليهن بعين الشك من قِبل ذويهن». خيبة أمل إحدى المتطوعات الناشطات في حقل التطوع أصابها الذهول ولم تستطع أن تستجمع قواها، فأصابها نوع من الإحباط والشعور بخيبة أمل، كونها كانت تتوقع أن تحظى الأعمال التطوعية بالترحيب والتقدير، إلا أن هذا الفيلم فاجأها بموجة من الاستياء لتركيزه الشديد على السلبيات فقط، الأمر الذي جعل والديها والمجتمع كله ينظر إلى المتطوعات نظرة دونية، وقد وصل الأمر إلى بعضهن الإحجام عن التطوع بمحض إرادتهن. كما توقفت بعض مناشط المجموعات التطوعية لدراسة الوضع الجديد والبحث في تأثير هذه الأزمة في المتطوعات، ومحاولة الخروج من هذه الدوامة بحلول عملية تمكن الفتيات من العمل وفق العادات والتقاليد وبعيدا عن السلوكيات الخاطئة. اعتذار غير مقبول إحدى المتطوعات اعترفت ل «شمس»، بأنها دخلت في معاناة نفسية مع والديها، حيث يرون أن رغبتها التطوعية، باتت سبيلا للخروج عن الآداب الدينية، والعرف العام، والتقاليد المجتمعية التي تحظر الاختلاط، والأسلم لها والأحوط لأسرتها، رفع لافتة «الاعتذار» لأي مطالبات لها بالمشاركة في الأعمال التطوعية، على الرغم من محاولتها تأكيد أهمية مشاركتها وزميلاتها في التطوع، للحاجة الماسة إلى وجودهن كونهن قدمن الكثير من الخدمات للمحتاجين، وربما انعدمت هذه الخدمات إذا ما امتنعن عن المشاركة: «قرار المنع لم يأتِ مبكرا، بل جاء بعدما شاهد أهلي فيلما عن التطوع، الذي أساء إلينا أكثر مما نفع، خصوصا أن والدي صدق كل ما ذكر في الفيلم من أحداث، فقرر على الفور إيقافي عن المشاركة في التطوع، إلا أنني لم أوافق على هذا المنع، فأنا لست من الفتيات اللاتي تطرق إليهن الفيلم ولم أقف صامتة عند هذا الاتهام الباطل، فقد واجهت والدي بما أعرف عن التطوع وناقشته فيه، ووضحت له بعض الأخطاء التي وقع فيها القائمون عليه، متمسكة بالثقة الكبيرة التي منحني إياها». وتشير إلى أنها نجحت في عملية الاستماع لرأيها، والدفاع عن موقفها، في ظل الأريحية، التي تتمتع بها أسرتها: «عرضت عليهم العديد من صور الرحلات التطوعية، ومقاطع الفيديو، وشرحت لهم ما نقوم به من أعمال تطوعية، عادت بالنفع والفائدة لكل محتاج، الأمر الذي أسهم في تراجع الأسرة عن موقفها الرافض، وقرروا استمراري في التطوع رغبة في كسب الأجر من الله تعالى، ولمساعدة من يحتاج إلي، ولن أهتم لما يسيء لهذه الأعمال الخيرية، خصوصا إذا كانت هناك رائحة مؤامرة». وأكدت المتطوعة أن هذا المنع: «لن يؤثر في روحي المعنوية في التطوع، فأنا من عشاق الأعمال التطوعية والخيرية، وسأستمر في التطوع مهما تحدث من إساءة إليه، وأرجو من كل فتاة واجهت مثل هذا المنع، ألا تقف صامتة، بل تقوم بتصحيح المعلومة لمن منعوها، حتى لا تقف عجلة التطوع في المجتمع». لا عبرة بالنوادر واستنكرت الإعلامية سامية السالك هذا المنع من قِبل أولياء الأمور: «أستغرب منع الأسر لبناتهن من المشاركة في الأعمال التطوعية بسبب هذا الفيلم، فهل أصبحت قناعاتنا تابعة لكل من يستطيع رفع مقطع فيديو، أو يكتب مقالا في جريدة؟ دون الرجوع إلى ثوابتنا وتعاليم ديننا القويم، فالعمل التطوعي ليس موضة تروج في فترة من الفترات وتختفي بعد ذلك، والمسلم والمسلمة على حد سواء مسؤولان عن المحيط الذي يعيشان فيه، والمسؤولية الأولى هنا تقع على الآباء بتعويد أبنائهم سواء كانوا بنات أو بنين على تحمل هذه المسؤولية وتأدية ذلك الواجب الديني والأخلاقي، فالمجتمع المسلم مجتمع مترابط إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، ومجتمعنا بحاجة إلى أبنائه وسواعدهم الشابة للنهوض به والتخفيف من معاناته». ولا تنكر السالك وجود مثل هذه التجاوزات في المناشط التطوعية: «لا ننكر وقوع أخطاء في كل عمل بشري، ولكن ذلك لا يكون حجة لترك ذلك العمل الصالح الذي نقوم به، بل يجب أن يدعونا ذلك لمراجعة مواطن الخلل وتفاديها في المرات القادمة، كما يجب ألا نعمم فإذا كانت هناك بعض الأخطاء حصلت من البعض، فإن ما قدمته فتياتنا في التطوع في شتى المجالات يعد تاجا على رؤوسنا جميعا، وهذه الإنجازات تمت في جو محافظ وراقٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى فلا عبرة بالنوادر، وعلى الآباء والأمهات توجيه بناتهن إلى الجهات التطوعية المعروفة التي توفر جوا إسلاميا محافظا للفتيات لممارسة أنشطتهن التطوعية، وعدم قطع هذا الخير الذي يعود على فتياتنا أولا ومجتمعنا ثانيا بخيري الدنيا والآخرة» خطوة غير موفقة ويشير خبير برامج تطوعية في برامج الأممالمتحدة الدكتور حسن القثمي إلى أن الأسر التي منعت بناتها من العمل التطوعي لم توفق في هذه الخطوة: «ربما يكون حرصا من الأسر على بناتهن، غير أن الحل يكمن في تفهم وضع التطوع، وإيجاد عمل تطوعي منظم يمنع مثل هذه السلوكيات الشاذة، وأغلب الأعمال التطوعية ارتجالية وهذا ما يسبب الكثير من الإشكالات، غير أن الفترة الأخيرة بدأت العديد من الجهات في تنظيم العملية التطوعية وإيجاد مظلات رسمية لأي عمل خيري، داعيا البنات اللجوء إلى الجمعيات الخيرية والابتعاد عن المجموعات العشوائية، وكثير من الأدوار الموجودة لا يستطيع القيام بها سوى المرأة، فلا غنى في الأعمال التطوعية عن وجود المرأة شريطة أن تتناسب هذه الأعمال مع طبيعتها». ثقافة مرفوضة وحذر الدكتور علي بن حمزة العمري، رئيس منظمة فور شباب، من اللقاءات المباشرة بين الجنسين في الأعمال التطوعية: «أنا ضد ثقافة العمل التطوعي المشترك الذي يدعو للقاء الشباب والفتيات في جو مفتوح، وبتداخل في الحوار والمناقشة واللقاء والمجالسة بشكل عام، وبشكل منفتح، وهناك تجارب أدت إلى تجاوزات مرفوضة أثرت في عملية التطوع، ورفض بعض الأسر إرسال بناتهم إلى المشاريع التطوعية التي تكون مشتركة بين الشباب والفتيات جاء من باب الحيطة والحذر، لكنني أؤيد اللقاءات المشتركة التي تكون في حدود ضيقة تدعو لها الحاجة أو الضرورة، أو التنسيق بين المسؤولين لإنجاح قضية تمس المجتمع، وفي حدود اللقاء، وطبيعة التنسيق الواضح، سواء منها على المستوى التعليمي أو الطبي، بل أشجع الجميع على المشاركة في الأعمال التطوعية وتحفيز العاملين فيها، والوقوف معهم ومساندتهم ماديا ومعنويا ورسميا» .