في ظل الدراسة التي تقوم بها لجنة مختصة في مجلس الشورى لإصدار قانون يتضمن عقوبات صارمة ضد المتحرشين من الجنسين ضد بعضهما سواء كان ذلك بالفعل أو القول أو حتى بالإشارة وذلك في نطاق العمل، فهذا بلا شك سيخلق أجواءً عملية متوترة ولكنها ضابطة لسلوكيات كل من يحمل في خفايا النفس نوايا سيئة تجاه الآخر . خاصة أن وضع المرأة هنا حساس جداً وقد لا تدفع بسمعتها ومكانتها الاجتماعية والعملية للتعرض لمثل هذه العقوبات التي سيتم المصادقة عليها ، وزميلها في العمل سيكون حذراً في تعامله خوفاً من زلة لسان أو لمحة بصرية أو حركة جسدية عفوية توقعه في الزلل ،مما سيدفع بكلا الطرفين أن يقولبا أنفسهما في قالب جامد من التفاعل مع الطرف الآخر في بيئة العمل! وهذا القانون الذي أشرك المرأة في احتمالية تحرشها بزميلها في العمل أشركها أيضاً في العقوبة لأنه لم يغفل أنها قد تكون يوماً متحرشة بالرجل مما قلل من الاعتقاد السائد بأنها باستمرار متهمة بأنها المحرض الأول للرجل لمعاكستها والتحرش بها وذلك إما لشكلها الخارجي المبالغ فيه، أو لتصرفاتها التي تبالغ فيها لكسب الجنس الآخر، أو لارتضائها المدح والملاطفة من الرجل لدرجة تتطور مع مرور الوقت إلى التحرش الجنسي !وللأسف الشديد قلة الوعي لدينا بالتعامل مع الآخر كشفت عن سلوكيات غير واعية ولا تمت لسماحتنا الإسلامية بصلة ، حيث إن التحرش بالآخر ترتفع نسبته لدى الذكور غير السويين سلوكياً، وغير المستقرين اجتماعياً أكثر من الإناث لما نشؤوا عليه من التفاخر والمجاهرة بسلوكياتهم غير المقبولة ، وخاصة عندما تكون العقوبات ضد الفتاة أشد من الشاب في القضايا الأخلاقية بحجة أنها التي أعطته مجالاً لكي يستغلها مادياً أو جنسياً. والقضايا التي تعيشها مؤسسات رعاية الفتيات ، ودور الملاحظة، وتتابعها لجان الحماية الاجتماعية تشير إلى أن التربية الذكورية السائدة تدفع بالشباب للتسلط الذكوري المرفوض على الأخوات، وعلى الأم بعد وراثة دور وليّ الأمر بعد وفاة الأب أو وصوله لمرحلة الشيخوخة، وكذلك على زوجته والتي يقع عليها الهمّ الأكبر في التنفيس عن سلوكيات مشينة بحق المرأة ! ثم يبرز السلوك أكثر مع النساء عامة سواء من هي ملتزمة بحجابها أو متبرجة من حيث محاولته للوصول إليها إما بتحرشات لفظية أو فعلية، أو اعتداءات جسدية أو جنسية وذلك للتنفيس عن كره دفين تجاه المرأة من جراء التربية التي جعلتها رمزاً للعيب والفساد !وللأسف الشديد كنا نتمنى الإسراع في إصدار الأنظمة الخاصة بحماية الأطفال بدلاً من تأخره لسنوات ! ونظام الحماية الأسرية ، وقانون الأحوال الشخصية للمطلقات لحمايتهن وحماية أطفالهن ! لأننا نتوقع احترام الآخر في بيئة العمل ولا ننتظر عقوبات مشددة لتعديل سلوكيات مسؤولين في خدمة الوطن، وإلا فما هي العقوبات المتوقعة للمتحرشين بالنساء في الأماكن العامة؟ وهل سنظل نطالب دوماً بالعقوبات المشددة لكل ما يضايقنا بدلاً من الاتجاه للتوعية والتثقيف بأساليب التعامل السوي مع الآخر.