ثقوب في الشال الفلسطيني د 0 جمعان بن رشيد بن رقوش* كل من كان ميلاده بعد عام 1948م من أبناء الأمتين العربية والإسلامية كان عليه التعايش مع قضية دينية وقومية وأن يتشرب ثوابتها وقيمها مع كل مراحل نموه، فكانت الهم المشترك بين كل أطياف المجتمعين العربي والإسلامي بكل متغيراته الاقتصادية والثقافية، فأضحى المحيط الاجتماعي منابع لحقن ثقافة القضية المحورية للعرب والمسلمين إلى أفئدة الناشئة، فنتج عن ذلك وجود ارتباط ديني وقومي مع القضية الفلسطينية تقاسمه الجميع، والتنازل عن اي مفردة من قوائم التعامل مع المسلمات الأيدلوجية للقضية يُعد ضرباً من الخيانة للعقيدة والتربية وثوابت النضال العربي، فاتحدت الرؤى وانعدم الاختلاف بين المتجادلين حول القضية الفلسطينية، فحملت اخبار النضال الذي يدور على التراب المبارك حول الأقصى مسرى المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ما يشد من أزر العرب والمسلمين، فكانت تخلو مصطلحاتها من الخيانة والفرقة والانقسام ومن المواجهة بين أبناء الدم الواحد وحتى من الاختلاف في وجهات النظر أو تبادل الاتهامات، لقد كانت مليئة بأخبار الفداء والتضحية ووحدة الكلمة والسلاح، مؤمنين ان الجميع يقاتل عدواً واحداً وان الجميع يمتلك الولاء ذاته ويستشهد للهدف ذاته ولم يكن للشك في مبادئ النضال الفلسطيني مكان في أفئدة الذين أعطوا للقضية ما يجب ان تُعطى، فهذه الصفحة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لا يجب ان تدفع بنا إلى الإحباط الذاتي بل محاولة لتطهير الحاضر من ما يعتوره من نتوءات قد تؤذي الإرث الثقافي الجميل الذي نختزنه، فالحديث مع التاريخ هو شطر المحاولة لتشخيص واقع الأمة وتعزيز الرغبة في انتشاله من براثن التوتر السياسي والأيدلوجي الذي بات أكثر فتكاً من العدو الحقيقي في تهديد قضيتنا التاريخية. لقد بدأنا نرى ثقوباً في الشال الفلسطيني نحس بها في قلوبنا قبل أن نرى معالمها ترتسم عليه، نعمل جاهدين على رتقها في مشاعرنا قبل أن تمارس الدبلوماسية العربية والإسلامية ذلك الرتق، لقد ولدنا ونحن نعتمر ذلك الشال في أفئدتنا قبل أن نضعه على رقابنا، فأصبح صنو العلم الوطني في فؤاد كل مواطن عربي أو مسلم، يناله من الاحترام والولاء ما يستحقه فشاطر الفلسطينيين في الموروث السياسي والأيدلوجي للقضية أكثر من مليار مسلم ينتشرون على مساحة الكون الرحبة، لذلك فإن على الإخوة الفرقاء في فلسطين الواحدة بضفتها وغزتها بفتحها وحماسها بمتفقيها وفرقائها، أن يحافظوا على هذا الإرث الإسلامي والعربي وأن لا يكونوا عوناً للمد الإسرائيلي الذي ينتشر على أشلاء الجسد الفلسطيني الذي مزقه الاختلاف قبل أن تمزقه القنبلة الإسرائيلية، فحساب المكاسب يبدأ بحساب التضحيات وحساب التضحيات لا نراه إلا في سجلات الحكماء، فالانتصار على العدو لا يمكن أن يلج من بوابة الاختلاف فراية الهزيمة معقودة على هذه المداخل، فإذا كان هناك حاجة لوجود مائة عاقل لاستخراج صخرة المجنون من البئر، فإننا بحاجة إلى مليار حكيم لإقناع مختلفين كل منهما مصر على أن الحق طريقه. ********************************** *كاتب بصحيفة \"المدينة\" السعودية.