أكد معالي وزير البترول والثروة المعدنية بالمملكة العربية السعودية أن لكل نوع من أنواع الطاقة دوره، وأن الوقود الأحفوري والبترول في المقدمة سوف يتحمل العبء الأكبر في تلبية الطلب العالمي في حين أن المصادر المتجددة ستكون مكملة له، مشدداً على أن هدف المملكة هو توفير البترول الذي يحرك آليات العالم الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من التقنية والابتكار لجعل استخدام البترول أكثر نظافة، مع تطوير مصادر الطاقة المتجددة حتى تتمكن من الإسهام بشكل مفيد في مزيج الطاقة، وقال "بناء على ذلك، دعونا ننظر إلى البترول من خلال عدسة الطاقة الذكية". جاء ذلك في كلمة لمعالي الأستاذ علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية بعنوان "البترول ودوره الحقيقي في اقتصاديات الطاقة الذكية" أمام قمة أسبوع الطاقة السنغافوري الدولي لعام 2010، يوم امس الاثنين في سنغافورة، وقال في كلمته" تعتبر قمة أسبوع الطاقة في سنغافورة التي تعقد هذا الاسبوع المكان المناسب لإستكشاف أفضل السياسات والحلول لبرنامج الطاقة الذكية، والموازنة بين التنمية الاقتصادية وأمن الطاقة، والاستدامة البيئية والمالية. وأنا أرحب بإتاحة الفرصة لي لطرح وجهة نظر المملكة العربية السعودية في هذا الصدد، كما أنه من دواعي سروري أن أعود إلى سنغافورة، حيث يمكنني اليوم أن أرى اختلافا كبيراً في المشهد المادي والاقتصادي عما كان عليه قبل سنوات قليلة، ومن المثير أن نلاحظ أنه مع هذا النمو الكبير، حافظت سنغافورة على حدائقها الجميلة ومنتزهاتها العامة ومحمياتها الطبيعية وقامت بتحسينها لتظل خضراء يانعة نابضة بالحياة. ويصادف موضوع الأسبوع الدولي للطاقة لهذا العام وهو"دعم اقتصاد الطاقة الذكية"، حدوث تغيرات سريعة على مسرح الطاقة تتطلب منا الاستعداد لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة، ضمن معايير لإمدادات الطاقة الذكية تتمثل في الكفاية، ومعقولية التكلفة، والتوافق مع الضرورات البيئية. وبطبيعة الحال، فإن المحرك الرئيس في هذا المشهد هو التحول الهيكلي للطاقة، حيث تتجه معظم معدلات النمو الاقتصادي إلى قارة آسيا، ولسنا بحاجة لأن ننظر لأبعد من سنغافورة، باعتبارها واحدة من أكثر الاقتصادات نمواً في العالم، ودلالة عالمية على بزوغ فجر القرن الآسيوي، فبروز سنغافورة كمركز مالي عالمي رئيس وتميزها في قطاعي الدواء والإلكترونيات الحيويين وتعافيها السريع من الأزمة المالية العالمية، هو خير دليل على تزايد النفوذ الآسيوي. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة بنسبة 40% في غضون العقدين المقبلين، حيث يبدأ المزيد من البشر في تحقيق مستويات معيشية أفضل يحتاجون معها لمزيد من الطاقة لدعم تحسن في نوعية وأنماط معيشتهم، وعلى النقيض من الاقتصادات الغربية الناضجة، تشهد جميع الاقتصادات الآسيوية الصاعدة نمواً هائلاً، لاسيما الهند والصين وبعض دول الشرق الأوسط حيث شرعت الطبقات الوسطى التي نشأت حديثاً في اقتناء السيارات، والسفر بشكل أكثر وشراء المزيد من البضائع الاستهلاكية. ويقف وراء هذا الطلب الجديد تطلعات العالم النامي للحصول على المزيد من الطاقة، والنمو الكبير في عدد سكان العالم بمقدار بليوني نسمة خلال السنوات العشرين القادمة. لذا ففي حين تعطي الأعداد المتزايدة من السيارات في شوارع شنغهاي مؤشراً واضحا على الكثافة الجديدة لاستهلاك الطاقة في آسيا، يتبدى أثر هذا الاستهلاك المرتفع بطرق أخرى أقل وضوحا، فقبل عشرين سنة، كانت أعداد قليلة جداً من الآسيويين، لاسيما في المناطق الريفية تستخدم وسائل النقل الخاصة بشكل معتاد. أما اليوم، فإننا نرى استهلاك قارة آسيا من الطاقة يتراوح ما بين سنغافورة التي ظهرت فيها الطائرات الفاخرة من طراز إيرباص السوبر جامبو لأول مرة وهي طائرات تستخدم أنظف المحركات التوربينية المروحية، إلى الصين التي تعتبر أكبر مستهلك للطاقة في العالم. ومع تكافؤ القوة الشرائية للطبقات الوسطى والعليا الجديدة كما يتضح من خلال تزايد سفريات العمل والسياحة والنقل الخاص، وزيادة استهلاك السلع، فسوف تستأثر آسيا بنسبة 60 في المائة من النمو العالمي في الطلب على الطاقة بحلول عام 2030. ومن هنا، فإنه من أجل أن نضفي طابعا إنسانياً على هذا التحول الهيكلي، علينا فقط أن ننظر إلى مئات الملايين من البشر في آسيا ممن هم الآن في وضع أفضل من خلال تحسن ظروف معيشتهم أو هؤلاء الذين يحدوهم الأمل في الخروج من فقر الطاقة. هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد يؤكد الحاجة إلى سياسة للطاقة الذكية، فالتوجيهات الحكومية والمصلحة العامة في أنحاء العالم تسعى للتوفيق بين استهلاك الطاقة واستدامتها، ويعد هذا النهج المزدوج منطقيا، حيث أن العثور على مزيد من الطاقة واستخدامها أفضل استخدام ممكن، هما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة. وهناك الكثير من الإيجابيات فيما يتعلق بالطاقة الذكية. فبعيداً عن الحكمة الكامنة في سياسة الموازنة بين استهلاك الطاقة والمحافظة عليها، تدعم الطاقة الذكية هذا التزاوج الطبيعي بين المعدات والبرمجيات للخروج بشبكة مثالية للطاقة إلى جانب العدادات، وأجهزة القياس الدقيقة والمبتكرة، والأجهزة الأخرى، التي تساعد في استخدام أكثر كفاءة للطاقة فضلا عن إسهامات مصادر الطاقة المتجددة. ومع ذلك فهناك كلمة تحذير مستحقة نخفف بها من مغالاتنا بشأن جاهزية مصادر الطاقة الجديدة للاستخدام اليوم. إن الحماس المبكر بشأن مزايا المصادر المتجددة يضعنا أمام خطر اعتبار الطاقة الذكية مرادفا للطاقة "الجديدة". فبهذه النظرة، يكون مفهوم الطاقة الذكية قد همش تحديداً دور الوقود "الأحفوري" باعتباره طاقة "قديمة"، والواقع أن بعض الحكومات تقوم، من باب السياسة، بالتركيز على الطاقة النظيفة كوسيلة لتحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري. ومثل هذه النظرة الضيقة تقود إلى حلبة سباق غير متكافئة الفرص تشهد نوعاً من المحاباة للطاقة البديلة من جانب السياسات والموارد الاستثمارية، الأمر الذي يعوق بالتالي قدرة الوقود الأحفوري على المنافسة والإسهام في سوق الطاقة. كما أنها تؤدي إلى مخاطر لا لزوم لها تتمثل في أن هذه المصادر الأحدث قد لا تكون كافية بما يسمح باسترداد الموارد الاستثمارية الضخمة من حيث الوقت والمال. وعليه يتعين أن يقوم الوقود الأحفوري بسد الفجوة إلى أن تتمكن الطاقة النظيفة من إثبات نفسها بصورة مستمرة والتغلب على العقبات الخاصة بالتكلفة والبنية التحتية. وبعبارة أبسط، فإن العمل بطريقة "إما - أو" سوف تجعلنا عاجزين في النهاية عن تحقيق أهدافنا في مجال الطاقة. وعليه، إذا ما كان هدف الطاقة الذكية هو الحصول على أكبر قدر من القيمة، فعلينا أن نتفق على أن أي نوع من الطاقة يسمح لنا باستيفاء هذه المعايير المؤهلة ويحقق لنا النجاح في مسعانا هو ما سوف يتم الأخذ به. وترى المملكة العربية السعودية أن لكل نوع من أنواع الطاقة دوره، كما ترى أن الوقود الأحفوري والبترول في المقدمة، سوف يتحمل العبء الأكبر في تلبية الطلب العالمي وأن المصادر المتجددة ستكون مكملة له، ومن ثم فإن هدفنا هو توفير البترول الذي يحرك آليات العالم الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من التقنية والابتكار لجعل استخدام البترول أكثر نظافة، مع تطوير مصادر الطاقة المتجددة حتى تتمكن من الإسهام بشكل مفيد في مزيج الطاقة. وبناء على ذلك، دعونا ننظر إلى البترول من خلال عدسة الطاقة الذكية. من حيث الاعتبارات الأساسية المتعلقة بالكفاية والموثوقية، سوف يعتمد العالم على الوقود الأحفوري على مدى السنوات الخمسين المقبلة، فهذه الزيادة الهائلة البالغة 40% في الطلب العالمي على الطاقة خلال السنوات العشرين القادمة، والمدفوعة في جزء منها بزيادة السكان بنحو بليوني نسمة خلال تلك الفترة، سوف يتم تلبية 85% منها عن طريق الوقود الأحفوري في المقام الأول، وترى المملكة العربية السعودية من جانبها أن أساسيات العرض والطلب فيما يتعلق بالطاقة الذكية متوفرة بشكل جيد في الطاقة الاحفورية. والمملكة العربية السعودية بوصفها أكبر منتج للبترول في العالم وباحتياطيات مؤكدة تبلغ 264 بليون برميل، وبمستوياتها الإنتاجية الحالية، يمكن أن تستمر في إمداد البترول لمدة 80 سنة أخرى، حتى لو لم تعثر على برميل إضافي واحد خلال تلك الفترة، مع أننا نعثر على المزيد من هذه البراميل. والواقع أنه رغم إنتاج 62 بليون برميل من النفط بين عام 1990 و 2009، لم تتناقص احتياطياتنا، فمن خلال الاكتشافات الجديدة والمحسنة، استطعنا إضافة كميات من البترول تعادل إنتاجنا السنوي منه، وهذا ما نفعله منذ عشرين عاما. وبالنظر إلى زيادة الطلب العالمي، من المتوقع أن تكون هناك حاجة لنحو 26 تريليون دولار من الاستثمارات في مجال الطاقة، وتقوم شركات بترولية ذات الموارد المالية، على غرار أرامكو السعودية، بإنفاق المال لتوفير المزيد من الإمدادات. ففي العام الماضي أنجزت أرامكو السعودية أضخم برنامج استثماري في تاريخها بتكلفة تجاوزت 100 بليون دولار شملت مشاريع كبرى في مجال البترول والغاز وسوائل الغاز الطبيعي، والتكرير والبتروكيماويات، وقد مكنت مشاريع البترول والغاز المملكة من زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى إلى 12.5 مليون برميل في اليوم، وهي قدرة لا تضاهى في الصناعة البترولية، والأهم أنها تنطوي على أخبار سارة فيما يتعلق بأمن الطاقة. وبالتحول من معيار الكفاءة إلى عامل الاستدامة، لا يزال البترول قادراً على اجتياز اختبار الطاقة الذكية، فمن خلال التقدم العلمي والتقني، يحافظ المنتجون على هذه الإمدادات من خلال تحقيق قفزات في مجال الاستخلاص الأفضل، والممارسات الأقل هدراً، والحد من الانبعاثات الصادرة، وتحسين كفاءة استخدام الوقود. إن حجر الزاوية في الطاقة الذكية هو البحث والتطوير، وينطبق الشيء نفسه على البترول، كما أن تخفيف أثر العمليات والمنتجات البترولية على البيئة أحد الأهداف الهامة في الصناعة، فمع استثمارنا في الإمدادات، نقوم أيضا بتخصيص استثمارات ضخمة لتحسين الاستدامة البترولية، وهي مظلة واسعة تضم الكفاءة والقدرة على تحمل التكاليف، والسلامة، وحماية البيئة. كما أن بعض أهم الابتكارات البيئية ينسجم مع الاستخدامات الهامة للنفط في مجال النقل. وتركز المملكة العربية السعودية على تركيبات الوقود الأقل تلويثا للبيئة، وتكنولوجيا المحركات النظيفة، وعلى الصعيد المحلي، نقوم بتنفيذ خطة لخفض نسبة الكبريت في أنواع مختلفة من الوقود المستخدم في المملكة. وإلى جانب الابتكار، تأتي الريادة المعرفية كاستراتيجية جديدة للمحافظة على الطاقة، ويسهم مركز الملك عبدالله للدراسات والأبحاث البترولية، وهو مركز عالمي لأبحاث ودراسات الطاقة والبيئة، بآرائه ومعارفه المفيدة في متابعة أوضاع الطاقة العالمية. وبعد أن أوضحت كيف نجح البترول في اختبار الطاقة الذكية، دعوني أتحدث عن استراتيجية أخرى للمملكة فيما يتعلق بالطاقة الذكية ألا وهي تطوير الطاقات البديلة. فبعيداً عن رفض بدائل الطاقة، تلتزم المملكة بإجراء الأبحاث مع تصنيع وتسويق المصادر الواعدة من تلك الطاقة. كما ينعكس تنوع الاهتمام بالطاقة في المملكة بصورة أكبر من خلال مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة التي تم إنشاؤها حديثا، للبحث وتطوير هذه المصادر. وتعد الطاقة الشمسية أحد الاهتمامات التنموية للمملكة. ويتضح تحول المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد المعرفة الذي يستفيد من خبرات الطاقة والموارد من خلال الاستثمارات التي تركز على الأبحاث والتطوير، مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتتمثل مهمتها في إيجاد حلول عالمية من خلال أبحاث تعاونية تشمل التركيز بشكل واسع على استخدامات الطاقة الشمسية، حيث تضم مركزاً هاما لأبحاث هندسة الطاقة الشمسية والبديلة، وهو مركز مكرس لإضفاء الجدوى التجارية على الطاقة الشمسية من خلال خفض تكاليفها. إن ما آمل أن أنقله إليكم من أمثلة التدقيق العلمي الشامل والمتعمق هذه هو أنه رغم ما تنطوي عليه النزعة التطلعية والابتكارية من ذكاء، فإن التحلي بالواقعية أو حتى توخي الحذر ربما يكون أكثر ذكاء. فمع ضرورة إيجاد مصادر للطاقة المتجددة يمكنها أن تساهم بشكل مفيد في مزيج الطاقة المتنوع، يجب علينا أن نكون واقعيين، حيث إن حصة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة اليوم لا يزيد على 2 في المائة، ومن المتوقع أن تصل هذه الحصة إلى 4 في المائة بحلول عام 2030، وحتى لو تطورت هذه الحصة بصورة أسرع لتتضاعف في هذين العقدين، فإن ذلك سيكون تقدما جيداً، ولكننا مع ذلك لا نزال نتطلع إلى مجرد 8%، وفي حين يجب أن تنضم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى مزيج الطاقة، فإن طبيعتهما المتقطعة يجب أن تحقق زيادة مجربة وحقيقية لأنهما، مثل مصادر الطاقة البديلة الأخرى، قد وجدتا لتحققا نضجاً كاملاً وقدرة على البقاء. وهكذا، فإن موقف المملكة العربية السعودية لا يحبذ الحد من استخدام الوقود الأحفوري بشكل قد يحد كثيراً من النمو الاقتصادي والاجتماعي، بل إن هدفنا هو تزويد السوق بالبترول للمساعدة في التنمية والرخاء الاقتصادي، مع تحسين الأداء البيئي للنفط من خلال البحث والتطوير المستمرين، والمساهمة في تنويع مصادر الطاقة من خلال تطوير الطاقات المتجددة، ونحن، إلى جانب منتجي المصادر الأخرى، نرحب بالطاقة الذكية ومصادرها المتجددة ضمن مزيج حيوي للطاقة. ولعل الهدف من استخدام المملكة للطاقة على النحو الأمثل يتضح كأفضل ما يكون من خلال اختيارها للطاقة الشمسية كوسيلة لتحقيق مرونة الوقود فيها، فاستخدام الطاقة الشمسية في سد بعض الاحتياجات يمكن المملكة في نهاية المطاف من أن تحد من استهلاكها من البترول والغاز محلياً، وبالتالي يسمح بتصدير المزيد من البترول لعملاء المملكة في آسيا وأماكن أخرى من العالم. ولعل من أساسيات الطاقة الذكية ضرورة أن تكون قوية ومرنة بما يكفي، لتحمل المتزايد بسرعة على الطاقة، ولعله من نجاحات الصناعة السنغافورية أنها راهنت بذكاء في إنفاق المال على البترول باعتباره جزءا حيويا وصحيحا من مزيج الطاقة الذكية. ومن المؤكد أن للطاقات الجديدة والمتطورة والحلول الجديدة والمثيرة في مجال كفاءة الطاقة مثل الشبكات والأجهزة الذكية دوراً تؤديه، غير أن ما هو معروف ومؤكد من مصادر الطاقة يجب أن يعطى مكان الصدارة، وإذا لم نفعل ذلك، فسوف نواجه ببساطة عواقب وخيمة جراء عدم استعدادنا للمستقبل. وإذا كان المنتجون والمستهلكون يقرون بأن كل الطاقات الممكنة لها دورها في تلبية الطلب المستقبلي، فعلينا أن نلتزم بتحسين الوفرة والسهولة والاستدامة لجميع هذه الموارد، وأن نستخدم الطاقة بحكمة وكفاءة، وأنا على يقين من أن أذكى أيام الطاقة، وبالتالي أفضل أيام البشر جميعا هنا في آسيا وفي كل مكان، لا تزال أمامنا تنتظرنا.