بينما يواجه مجتمعنا دعوات خارجية شرسة ضدّه لتفريق صفِّه وخلخلة أمنه، نجد هناك من يدعو إلى عوامل الفرقة والفوضى فيه بشكل ملتوٍ وغير صريح بحجة المطالبة بحقوق واهية، وتجد تلك الدعوات كل الترحيب والتمجيد من قبل الصحافة، وبدون استنكارٍ عليهم، لأنها تخدم تطلعات بعضهم، وتلامس هوى في نفوسهم. لقد فاجأتنا صحافتنا بكارثة مطالبة بعض النساء للمشاركة في انتخابات المجالس البلدية بعد أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات عدم مشاركة المرأة ولن أتحدث عن مشاركة المرأة بالانتخابات ولكن سوف أذكر أسلوب الصحف وطريقة عرضها للحدث، ومحاولتها لإثارة البلبلة، والتحريض على التجمعات والمظاهرات، والدور الذي لعبه بعض كتّاب الصحف لتأجيج وتأييد ما أقدمن عليه بعض النسوة الآتي لا يتجاوز عددهن أصابع اليدين. وقبل ذلك أتساءل: هل كل من أراد أمرا، أو لم يتوافق أيّ قرار حكومي مع هواه ورأيه، يحق له أن يتظاهر ويرفع اللافتات؟ وما هو الفرق بين من تجمهر أمام المقرّات الحكومية، ورفع اللافتات، وبين من كان يدعو الناس للخروج في يوم للتظاهر بحجة الإصلاح؟ سؤالان إجابتهما تكشف لنا عن مدى ضحالة الفكر لدى المطالبين بالإصلاح عن طريق المظاهرات، وتكشف لنا حقيقة تلك الدعاوى، وأنها طريق للفوضى، وزعزعت الاستقرار. فبعد تصريح المسؤولين بوزارة الشؤون البلدية والقروية بعدم مشاركة المرأة بالانتخابات للمجالس البلدية، خرج علينا مجموعة من النساء بحملة أطلقت على نفسها "حملة بلدي" تطالب بضرورة مشاركة المرأة بالانتخابات، وتدعو النساء إلى التجمع أمام مراكز تسجيل الناخبين، ومن ثم دعت إلى مقاطعة تلك الانتخابات. فأي حملة بالله عليكم يرجى لها الخير وهي تدعو النساء للخروج والتجمعات بالشوارع أمام مراكز الانتخابات ورفع اللافتات! وأي حملة يرجى لها الخير وهي تدعو إلى التمرد والعصيان! وأي حملة يرجى لها الخير وهي تدعو لنقض الأنظمة والتعليمات! وأي حملة يرجى لها الخير وهي تنادي بمقاطعة ما أقرته الدولة! وأي حملة يرجى لها الخير وفعلها يضر بالشأن العام للبلاد! إنه والله الخزي والعار أن يكون أولئك النسوة هنّ من يمثلن المرأة المسلمة السعودية المعروف عنها الستر والحشمة، ولكنه الهوى والشيطان الذي أملى لهن حسن صنيعهن. ومن المؤسف أن صحافتنا تتبنى نشر أمثال هذه الظواهر الغريبة على مجتمعنا، وتبرزها من خلال صفحاتها الأولى، وبدعم من بعض كتّاب الصحف، وكأنّ ذلك رغبة وتوجه نساء المجتمع، وأن فعلهن يحمدن عليه، وهذا مما لاشك فيه يؤدي إلى شرخ تماسك المجتمع، وغرس الفرقة فيه. ففي يوم الأحد 20/5/1432ه عرضت صحيفة الوطن على الصفحة الأولى صورة لنساء لا يتجاوز عددهن العشرة أمام بوابة إحدى مراكز الاقتراع تحت عنوان:( غاب الرجال وحضرت النساء ) وصورة أخرى داخل العدد لامرأة ترفع لافتة كتب عليها" من حقي أن أشارك" وجاء بالخبر:( حضرت النساء في مدن مختلفة للمطالبة بحقهن في الترشيح، متجاهلات استبعاد اللجنة العامة للانتخابات لهن ... وسط إصرار من السيدات اللاتي حملن لافتة عليها "من حقي أن أشارك"). وفي يوم الأحد 20/5/1432ه عرضت صحيفة الحياة صورتين على صفحتها الأولى، كانت الأولى لعدد من النساء لا يتجاوز عددهن عشرة نساء، والثانية لثلاثة نساء تحت عنوان:( الانتخابات البلدية:إقبال خجول في اليوم الأول ... والمرأة تحضر) وجاء في الخبر:( بيد أن أول أيام التسجيل شهد أمس تدافع مواطنات على مراكز القيد في مدن عدة للمطالبة بقيدهن، وطالبت جماعات منهن بمقاطعة الانتخابات ... واستطاعت المرأة أن تكون الحاضر الأكبر في أول أيام التسجيل) لاحظ التلبيس والتهويل والمبالغة ( تحضر )( تدافع )( المطالبة بالمقاطعة) فوجود عشر نساء أطلق عليهن (الحاضر الأكبر). وفي يوم الاثنين 21/5/1432ه عرضت صحيفة الحياة مجموعة صور لنساء تجمعن أمام مركز انتخابي لا يتجاوز عددهن العشرة وعنوان:( سعوديات يتجمهرن مجددا أمام مراكز التسجيل) ولا يزال مسلسل قلب الحقائق هو ديدن الصحف (تجمهر). أمّا بالنسبة للمقالات التحريضية، والاستنكارية على عدم مشاركة النساء بالانتخابات، والتأيدية لما أقدمن عليه أولائك النسوة فقد عجت الصحف بها، فمما جاء فيها على سبيل المثال لا الحصر: الكاتب حسن سالم بصحيفة الحياة يوم الثلاثاء 22/5/1432ه يكتب مقالا تحت عنوان:( ثورة النساء ) يؤيد ما تقوم به النساء من حملات ومطالبات. والكاتب جاسر الحربش بمقاله" نصف الوطن يستجدي حقوقه في المواطنة" بصحيفة الجزيرة يوم الأربعاء 23/5/1432ه يدعم ما حدث ويدعي بأن( المرأة بوضعها الحالي قنبلة استحقاقات اجتماعية موقوتة سوف تنفجر يوما ما في وجه الجميع، لا شك في ذلك وعلى الجميع تحمل النتائج). أما الكاتبة بصحيفة الرياض هتون الفاسي فتقول في نهاية مقالها " في التحديات الثقافية للمرأة السعودية" يوم الأحد 20/5/1432ه :( لا تعتبر الانتخابات البلدية التي تبدأ بتسجيل الناخبين، الذكور فقط، هذا الأسبوع قانونية) فهي نصبت نفسها محامية وقانونية، ومتخذة للقرارات، علما بأنها دعت إلى تأسيس مجالس بلدية نسائية ضاربة بكل القيم والأنظمة عرض الحائط، وكأنها تقود حزب معارض يريد فرض آرائه على الدولة بالقوة. ويقول الكاتب خلف الحربي بمقاله "الانتخابات البلدية: بتونّس بيك" بصحيفة عكاظ يوم الثلاثاء 22/5/1432ه :( الشيء الوحيد الذي أعجبني في عملية تسجيل الناخبين هو إصرار مجموعة من النساء في مختلف مدن المملكة على زيارة مراكز التسجيل والمطالبة بحقهن في الحصول على بطاقة ناخب، كان تحركهن مثيرا للإعجاب والتقدير). وتقول الكاتبة: جهير المساعد بمقالها "كيد النساء" بصحيفة عكاظ يوم الأربعاء 23/5/1432ه ممتدحة فعل النساء اللواتي خرجن للشارع :( كيد النساء الإيجابي الذي دفع ببعض الأخوات للحضور إلى المراكز الانتخابية رغم عدم دعوتهن ... هذا الكيد النسائي الإيجابي جدير بالتقدير). وتقول الكاتبة: فاطمة إلياس بمقالها "وقرن في بيوتكن" بصحيفة الوطن يوم الاثنين 30/4/1432ه ( الأمر الذي شجعها على المضي قدما في المطالبة بمساواتها بالرجل في جميع المرافق وعلى جميع الأصعدة) يا سبحان الله مطالبة بمساواة المرأة بالرجل في كل شيء! أما الكاتبة: أسماء المحمد فقد أجهدت نفسها بكثرة حديثها عن هذا الموضوع، فكتبت مطالبة ومؤيدة عدة مقالات بصحيفة عكاظ منها: "التجربة البلدية بين الظل والمقاطعة" و "المقاطعة .. والمركز الانتخابي" و "مشمش الانتخابات البلدية". إن ما أقدمن عليه أولائك النسوة، وأسلوب الصحافة في التعامل مع فعلهن نذير خطر، ومؤشر انحراف، وأسلوب لتهييج العامة وأصحاب النظرة السطحية القصيرة، ودعما للمغرضين. لذا يجب محاسبة كل من له علاقة بمحاولة إخراج نساء المجتمع بهذه الصورة المزرية، إمّا بتشجيعهن أو بتحريضهن على الإقدام للتجمعات والمظاهرات ورفع اللافتات، والضرب بالأنظمة والتوجيهات عرض الحائط. محمود بن عبدالله القويحص