روى ابن مكة المواطن غازي بن صالح تاجو، القاطن بحارة المسفلة، والبالغ من العمر 63 عاماً ل"سبق"، قصصاً عن مأكولات البيوت المكية في رمضان، وما كان لها من حلاوة وطعم؛ وذلك قبل نحو 50 عاماً؛ حيث عرّج بقصصه على احتفال نصف شعبان وليلة الشك، والمدفع وماء زمزم، وقصة الفول، وتبسى الحرم، والكنافة الثلاثية، وغيرها الكثير. وقال ل"سبق": "الناس كانت تحتفل برمضان من بعد منتصف شعبان؛ حيث تجد الأسواق والدكاكين كلها تمتلئ بمقاضي واحتياجات شهر رمضان من الحب المدشوش، والدقيق الفيتو، والدقيق البر، وأنواع المكرونات، والألماسية، والتطلي، ودقيق الرز لعمل المهلبية، وعلب الحليب البودرة، والمنكهات الخاصة بالحلا -روح الموز- والذي يضاف لحلا التطلي، وماء الزهر يضاف للألماسية والساقودانة".
وبيّن: "عند بَدْء الشهر، تجد في الأسواق المحلات التي تبيع السمبوسك، والمحلات التي تبيع السوبيا بنوعيها الأحمر والأبيض، والزبيب؛ حيث كانت السوبيا تُبَاع في زجاجات فخار صغيرة مثل برّاد الشاهي أبو عشرة، والزير الأبيض يغطى بشاش أبيض، والأحمر يغطى بشاش أحمر، والمحلات التي تبيع الكنافة النيئة وكذلك القطايف".
وتابع: "كانت البيوت المكية تستعد لشهر رمضان بالأواني الخاصة برمضان؛ مثل: نصبة الشاهي، والتباسي الكولندي الخاصة بوضع فناجين الشاهي، والبراريد الصيني، والجكات الخاصة بالشربيت، وكان أول شراب التونو فقط، وبعدين شراب الفيمتو، وعصائر الليمون، والبرتقال، والسوبيا".
وأضاف: "كنا نسمي ليلة دخول رمضان ليلة الشك، ونعرف بدخول رمضان عن طريق المدافع"؛ مشيراً إلى أنه في بعض الأوقات كان يأتي الخبر متأخراً؛ فإذا عرفنا بدخول رمضان نبدأ نسلم على كبار العيلة والجيران، ونهنيهم بشهر الصوم؛ لأن البيوت كانت متقاربة من بعضها، وتقوم الأمهات بتحضير طعام السحور، ويكون عادة بعد منتصف الليل، وينطلق مدفع السحور، ثم بعده وقرب الفجر ينطلق مدفع الإمساك؛ حيث تقوم الناس تشرب الماء وتتهيأ لصلاة الفجر".
واستطرد: "ننام بعد صلاة الفجر، ونصحو من النوم بعد إشراق الشمس، ونذهب إلى المدارس، ونعود إلى البيوت عند صلاة الظهر؛ في حين أن الأمهات يستيقظن في فترة الضحى ليبدأن بتجهيز وجبة الإفطار المكوّنة من: السمبوسك البيتي، والشوربة، والمكرونة، وصحن الفول".
واستكمل: "نقوم بتحضير الشراب الفخار، وفحسها، وتبخيرها بالمستكا، وفحس غطيانها النحاس إلى أن تصبح لامعة، ثم يقمن بعجن الدقيق الخاص بعمل السمبوسك البيتي، ويتركنه بعض الوقت ليختمر، ثم نذهب نحن بعد أن نأتي من المدرسة إلى بيت الله الحرام ونحضر ماء زمزم من بئر زمزم، ونملأ به الشراب المبخرة بالمستكا، كي يكون ماء زمزم بارداً عند الإفطار".
وأما الفول فله قصة حيث يقول"تاجو": "كنا نأخذ الزبدية المدهونة بالألوان والتي كانت تُستورد من الصين من بعد صلاة العصر، ونذهب إلى الفوال عم حمزة منسي في السوق الصغير الذي هو الآن جزء من الحرم المكي الشريف؛ فكنا نذهب لعم حمزة ونملأ الزبدية فول بمبلغ ستة قروش، وكانت الزبدية تكفي لعائلة، ونعود إلى البيت، عندها تبدأ الوالدة بتجهيز صحن الفول وهو ثلاثة أنواع من صحن الفول، صحن فول عادي بالسمن، وصحن فول عليه بصل نيء مفروم صغير جداً، وصحن فول مبخّر".
وأوضح: "هذا الفول المبخر يصنع عن طريق جلب جمرة الفحم ووضعها وسط الفول مع السمن المغروف في الصحن، ثم نغطي الصحن بغطاء كي يكتسب دخان جمرة الفحم عندما تنطفئ؛ وذلك بجانب سلطة الدقس التي تُصنع بورق الكزبرة بعد قطف الورق وشواء الطماطم وتقشيرها، ثم يضاف إلى ذلك فصين إلى ثلاثة فصوص ثوم وكم قرن فلفل أخضر حار، ثم تطحن في الهوند، وبعد ذلك يضاف إليها عصير الليمون والملح".
وواصل: "كنت أذهب مع والدي رحمة الله عليه وعلى أموات المسلمين، في يوم من أيام رمضان المبارك لتناول طعام الإفطار في الحرم المكي، وكذلك الحال لكل أهل مكة؛ فكان هناك تبسي كبير مدهون بالألوان كما زبدية الفول، نضع فيه جميع أصناف الأكل الذي تحضره أمهاتنا في البيوت، ونذهب به إلى الحرم، ونعود إلى البيت بعد صلاة المغرب؛ لأن البيت كان قريباً جداً من الحرم".
وأكمل: "أما صينية الكنافة؛ فبعد أن يشتري الوالد الكنافة النيئة من السوق، تقوم الأمهات بتحضيرها وعملها بثلاث حشوات؛ كنافة محشية باللوز، وكنافة محشية بالجبن البلدي، وكنافة محشية بالموز، وفقط هذه الأنواع من الكنافة التي كان يتم تحضيرها في البيوت مضافاً إليها الهيل المطحون كي يضيف إليها النكهة المستساغة".
واختتم: "بعد أن تُحضر الأمهات تلك الصواني من الكنافة يقمن بتسويتها على الجمر؛ ففي ذلك الزمن لم تكن هناك مواقد غاز ولا أفران كهربائية، وبعد أن يتم تسويتها على الجمر يقمن بوضع الشيرة العسل المصنوع من السكر المعقود بعصير الليمون".