في شهر رمضان المبارك ينتظر المسلمون لحظة الإفطار، وكانت الإشارة لذلك هي الأذان مع غروب الشمس، مثل ما نصت عليه الأحاديث الشريفة والسنة النبوية الطاهرة، وقد اشتهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابيان بلال بن رباح وابن أم مكتوم، في رفع الأذان. ومع اتساع الرقعة الإسلامية وانتشار الإسلام سعى كثير من المسلمين إلى إيجاد وسائل أخرى للإشارة إلى وقت الإفطار، حتى جاء مدفع رمضان الذي اختلفت حوله الروايات، ولكن أرجحها كانت في القاهرة، وهي أول عاصمة ينطلق فيها مدفع رمضان.
وتفيد رواية بأن ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذا الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة وتصادف ذلك مع وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليداً جديداً للإعلان عن موعد الإفطار، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة، ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت أمراً باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية.
وفي رواية ثانية، أنه عند غروب أول يوم من رمضان عام 865ه أراد السلطان المملوكي خشقدم أن يجرب مدفعاً جديداً وصل إليه. وصادف إطلاق المدفع وقت أذان المغرب، وظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم بعد الإفطار لتقديم الشكر للسلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذاناً بالإفطار ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك.
وبدأت الفكرة تنتشر سريعاً حتى شملت جميع بلدان العالم الإسلامي، وكان ثاني من طبق مدفع رمضان هي بلاد الشام، أولاً في القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم انتقلت إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى الكويت حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1907م ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، لينتشر سريعاً في اليمن والسودان وحتى دول غرب إفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا، وكانت إندونيسيا أول من أطلق مدفع رمضان في شرق أسيا عام 1944م.
وهنا في مكةالمكرمة يقف مدفع رمضان على قمة جبل أبو المدافع بالعاصمة المقدسة بمكةالمكرمة بالقرب من المسجد الحرام معتلياً جميع الأحياء ليصل دوي صوته إلى مسافات بعيدة وأحياء متفاوتة.
المدفع يتم تركيبه على قمة الجبل يوم الثامن والعشرين من شهر شعبان من كل عام ويتم إطلاق 7 طلقات عند دخول الشهر الكريم، ثم أربع طلقات كل يوم حيث يطلق في المغرب طلقة واحدة إيذانا بالإفطار ويطلق في الساعة الثانية صباحاً طلقة واحدة لكي تستيقظ الأسر وتبدأ التجهيز لوجبة السحور. وقبل أذان الفجر يتم إطلاق طلقتين استعداداً للإمساك تسمى طلقات «الكفاف» وفي ليلة العيد عند الإعلان عن العيد يتم إطلاق سبع طلقات، وفي صباح العيد يطلق خمس طلقات ثم تطلق الطلقات البقية عقب أداء صلاة العيد ابتهاجا بيوم العيد، وبذلك يصبح عدد الطلقات التي يطلقها المدفع خلال شهر رمضان 150 طلقة.