رأى تقرير أصدره رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني أن مهلة الأشهر الثلاثة التي نص عليها التوجيه السامي لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة غير كافية؛ وحث على تمديدها وإعطاء فرصة أكبر للقطاعات؛ لتدرس حاجتها للعمالة ووضع خطط استراتيجية لها. وقال إنه على الرغم من أهمية التوجيه السامي بمنح مهلة ثلاثة أشهر لتصحيح الأوضاع؛ ما يساعد على استمرار وتيرة الحركة الاقتصادية والتجارية للمشاريع وعدم تعطلها نتيجة نقص العمالة بسبب ترحيلها بشكل مفاجئ، إلا أن حجم العمالة المخالفة لنظام العمل والإقامة كبير، وقضاياهم متشعبة، وهناك بطء في إجراءات الجهات المختصة وعدم فهم لطبيعة بعض القضايا وعدم الرغبة لدى بعض العاملين في هذه الجهات لإيجاد حلول دائمة للقضايا العمالية المتكررة. وأضاف بأنه لم يسبق الحملة تنبيهات كافية للقطاعات؛ فمفاجأة القطاعات بتلك الحملة أدت إلى توقف الكثير من المشاريع التنموية، خاصة المقاولات والتشييد والبناء؛ ما أدى إلى حدوث فوضى في سوق العمل. ولفت "القحطاني" إلى أن مفاجأة الحملة للعمالة أدت إلى ضياع حقوق بعضهم نظراً لأن بعضهم يعمل دون عقد نظامي بسبب مخالفتهم لأنظمة العمل والإقامة؛ لأسباب يعود بعضها إلى أرباب عملهم، وبعضها الآخر للعمال أنفسهم؛ وبالتالي توقفهم المفاجئ عن العمل، وهو ما أدى إلى عدم حصول بعضهم على حقوقه. كما لفت إلى عدم وجود أماكن كافية لاحتجاز هذه العمالة المخالفة، وعدم تجهيز الموجود منها بالوسائل المناسبة التي تحفظ الحد الأدنى من متطلبات حقوق الإنسان. ونبه التقرير إلى أن القرار لم يفرق بين أنواع العمالة المشار إليها أعلاه؛ إذ إن هناك بعض العمالة لا يمكن ترحيلها لأسباب مختلفة. وأوصى التقرير بالتأكيد على حق السعودية في ترحيل أي عامل لا يلتزم بقوانينها، أو يدخل إلى أراضيها بشكل غير مشروع، ومطالبة العمال الوافدين بالالتزام بقوانين وأنظمة البلد. كما أوصى بإصلاح موضوع التأشيرات وتوفيرها بحسب الحاجة لطالبيها، وبالمهن المطلوبة عند الوفاء بمتطلبات السعودة، وإيجاد آلية مرنة لمنحها؛ ليتناسب عدد التأشيرات مع حاجة المنشآت المختلفة للعمالة؛ لما في ذلك من آثار إيجابية لنجاح المشاريع، ولتفادي التحايل. وحث التقرير على ملاحظة أن أصحاب التأشيرات الذين كانوا يستقدمون عمالة ثم يتركونهم يشتغلون لحسابهم مقابل مبلغ مقطوع يحصلون عليه. ولفت إلى أن شركات الاستقدام المرخص لها حلت محلهم في الآونة الأخيرة، لكن لوحظ أن هذه الشركات نفسها رفعت تكلفة استقدام هذه العمالة حتى وصلت تكلفة عامل النظافة إلى نحو ثلاثة آلاف ريال؛ ما يتوجب دخول الجهات الحكومية المعنية لحماية الطرف الضعيف في العلاقة، وهو المواطن المستفيد من العمالة، مع ضمان ربح معقول لهذه الشركات؛ لأن البدايات تشير إلى أن هذه الشركات ساهمت في حماية حقوق العامل مع إهمال حقوق المواطنين المستفيدين وأرباب العمل. وطالب أيضاً بتفعيل مراقبة الحدود لمنع المتسللين من العمالة، وبحث بدائل مناسبة مع دول هذه العمالة من خلال إقامة مشاريع في دولها تستقطبها وتصدر منتجاتها للسوق السعودي. وأوصى بتطوير المؤسسات المعنية بالحجاج والمعتمرين، بما يضمن مساهمتها في إعادة جميع الحجاج والمعتمرين القادمين عن طريقها، مع فرض غرامات محددة لقاء كل حاج أو معتمر لا تتم إعادته عن طريق هذه المؤسسات إلى وطنه، وربط الجهات المختصة بنظام يساعد على التأكد من مغادرة القادمين للحج والعمرة بعد انتهاء أداء الفرائض. كما أوصى بالأخذ في الاعتبار أن رفع تكلفة العامل الوافد ليس بالضرورة يؤدي إلى توظيف سعوديين بل قد يترتب عليه رفع تكلفة المعيشة في السعودية في ظل ثبات الرواتب وإغلاق لبعض المنشآت والمؤسسات الصغيرة التي تساعد حالياً في سد احتياجات بعض الأسر وتشغيل حد أدنى من السعوديين، كما تعمل في مناطق نائية أو ذات ظروف لا يقبل السعوديون بالعمل فيها؛ ما يتطلب دراسة مثل هذه الحالات بعناية. ونصح التقرير بالتدرج في تصحيح وضع العمالة، ووضع جدول زمني محدد يساهم في تسهيل عملية القضاء على ظاهرة العمالة غير القانونية بشكل تدريجي دون إحداث أي فوضى في سوق العمل أو إلحاق الضرر بمنشآت القطاع الخاص والمستهلك، وذلك باتباع آلية محددة. وأوضح أن هذه الآلية لا بد أن تتضمن البدء بمعالجة أوضاع العمالة المتسللة وتلك التي لا تحمل إقامات نظامية، مع مراعاة معالجة تلك الشريحة من العمال التي لا يمكن ترحيلها لأسباب تعود لانتمائها الوطني أو يكون لبلادها وضع خاص كالفلسطينيين والبرماويين، وغيرهم. كما يجب أن تتضمن إعادة النظر في القواعد التي تنظم عمل العمال عند غير كفلائهم؛ إذ يُسمح لعمال تلك الجهات التي يكون من طبيعة عملها تشغيل عمالتها أو تأجيرها للغير، كما هو الأمر بالنسبة لأعمال المقاولات. وقال التقرير: تنفيذ التعليمات التي صدرت في الآونة الأخيرة بالقيام بحملات تفتيشية من أجل تصحيح أوضاع العمالة الوافدة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة أحدث أزمة شديدة في سوق العمل، ليس فقط بالنسبة للعمال، وإنما أيضاً لأرباب العمل والمنشآت والمشاريع والمواطنين والمستهلكين الذين يتلقون الخدمات، بل توقف العمل في بعض الأنشطة والخدمات، وأُغلقت أو صُفيت بعض المؤسسات والمشاريع، وطالبت بعض الدول بإعطاء فرصة لعمالتها لتصحيح أوضاعها. وبيّن التقرير تلقي الجمعية العديد من الشكاوى والتظلمات في هذا الشأن، وقام فريق منها برصد وزيارة لبعض الأنشطة والمشاريع في مدينة الرياض، وشاهد الآثار المترتبة على تنفيذ هذا القرار. وعن الموقف المجتمعي من القرار ذكر التقرير أنه حسبما تم رصده من قِبل الجمعية فقد كان هناك شريحة كبيرة من المواطنين وبعض كتاب الرأي تؤيد هذا القرار، وترى أنه سوف يساهم في توفير فرص وظيفية للشباب، ويقلل من مشاكل وأخطار العمالة الأمنية والاجتماعية. واستدرك بأنه كان هناك شريحة أخرى، ومنهم بعض المهتمين بالشأن الحقوقي والاقتصادي، ترى أنه سيترتب على تنفيذ هذا القرار دون إعطاء فرصة لتصحيح الأوضاع وتعديل بعض الأنظمة واللوائح المتعلقة بهذا الموضوع أضرار كبيرة بالنسبة للمستهلكين وأصحاب المؤسسات الصغيرة، ويعرقل تنفيذ المشاريع بشكل عام ومشاريع المقاولات والخدمات بشكل خاص. ورصد التقرير أنواعاً عدة من العمالة في البلاد تضمنت فئة متسللين عبر الحدود مع بعض الدول المجاورة؛ وبالتالي لا يحملون إقامة نظامية، وليس مصرح لهم بالعمل. كما شملت عمالة أتت بتأشيرات عمرة أو حج ثم تخلفت عن المغادرة إلى بلادها، وأصبحت تعمل بطرق غير قانونية، ولا تحمل إقامة نظامية. وتضمنت عمالة قدمت بتأشيرة عمل، ولديها إقامة سارية المفعول، لكنها تعمل عند غير كفيلها، أو تعمل بمهن غير المدونة في إقامتها. وشملت أيضاً المرافقين للمقيمين النظاميين الذين يكون أغلبهم زوجات للمقيمين، وتكون الزوجة قد حصلت على عمل بطريقة غير نظامية. كما تتضمن عمالة نظامية تعمل لدى كفلائها، وبالمهن التي استقدمت من أجلها. وتضم عمالة دون هوية، وهم "البدون أو الأشخاص الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية"، وهم سعوديون ولا يعرفون غير السعودية وطناً، ولكن لم يحصلوا على الجنسية السعودية. ومنهم أيضاً عمالة أتت بطريقة نظامية، وتحمل إقامة نظامية، ولكن إقامتها منتهية الصلاحية، ولا تستطيع تجديدها نظراً لوجود مشاكل بينها وبين الكفيل، أو قد يكون الكفيل نفسه قد بلغ عنها هروباً أو تغيباً. وتشمل عمالاً من الجالية البرماوية أو بعض الجاليات الأخرى التي تعاني صعوبات في العودة أو التواصل مع بلادها الأصلية، وعدم حملها في أغلب الأحيان جوازات سفر، وتبقى في البلاد بشكل غير نظامي. وتضم أبناء بعض المواطنات السعوديات المتزوجات من أجانب أو من مجهولي هوية، وعدم استفادتهم من التعليمات الخاصة بمعالجة أبناء السعوديات. أما عن إيجابيات تطبيق القرار فرصدها التقرير في المساهمة في تنظيم سوق العمل، وتصحيح أوضاع إقامة بعض العمالة الوافدة؛ ما يساعد على التقليل من المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لهذه العمالة. وتتضمن إيجابيات القرار أنه يساعد على توفير فرص وظيفية لطالبي العمل السعوديين، كما يسمح القرار لمنشآت القطاع الخاص المصنفة في النطاق الأخضر بنقل كفالة من تحتاج إليه من العمالة التي انتهت إقامتها نظاماً دون موافقة الكفيل السابق. ويمهد القرار لإيجاد البديل الوطني للعمالة الوافدة في بعض المجالات. أما عن سلبيات تطبيق القرار بشكل غير متدرج فتتضمن ارتفاع أجور الأيدي العاملة واستغلال البعض هذا الشح لرفع الأسعار بشكل كبير، وتعثر وتأخر تنفيذ بعض المشاريع، وزيادة تكلفة البناء وأجور الخدمات.