بنيت بعض مفاهيم الحياة بتحديدها واستنادها على مفاهيم دينية تتشبث بفكرة الخلاص، ذلك بتعزيز التصورات عن حياة أخرى تجعل الفرد متطلعا للعيش فيها وفق كل الرغبات والنزعات الإنسانية المحرمة في الدنيا، وعلى القطب المضاد للعمل الحقيقي من أجل الحياة، فقدمت الخلاص كغاية لكنها لم تتساءل عن الأساليب الممكن اتباعها في تحقيق تلك الغاية، وإن كانت قد سيطرت الموعظة على الفكر العام في السابق لأهداف التبعية وإغفال الناس عما تطلبه حياتهم إلا أنها كانت من أهم الأسباب التي أودت بالشباب إلى الإجرام والانتحار من أجل المعتقد. لم يرتبط هذا المفهوم ذهنيا بأي رغبة تندفع من طبيعة الإنسان وارتباطاته الوثيقة بحياته، بل إن الإنسان يُطالَب ويُلزَم بكبح نفسه ليكون زاهدا متحفظا على عكس التهذيب والانضباط الأخلاقي، وقد ساهم هذا الفعل في تجريد الفكرة الدينية من اتساقها مع فكرة الحياة، حيث بنيت النظرية على أن الإيمان لا يتواءم مع العلم والمعرفة، بل كان التجهيل والضعف والفقر المعرفي متلازما مع الإيمان كضرورة، فيؤخذ الدين - لشدة تماسك المنهجية الفكرية - كمضاد لكل تغيير يتماشى مع الحياة ويصلح من شأن العيش فيها، ويكفل للإنسان حقه وكرامته بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو معتقده. حُصِر الدين في علوم الآخرة فلم ينعكس منه على الحياة سوى التقتير والتعسف وإلباس النظرة الكاملة للواقع بثياب المحرمات، ثم تكونت المرجعية الثقافية المتعددة في السياقات وفق هذا النمط الصلب، حتى أصبح معوقا ومقاوما للتغيير بأخذه في تجريم كل طموح إنساني، ومن هنا جاء التقييد بخلفية تسلطية تنتهك الحقوق الإنسانية وينتشر العنف على أثرها، فمن طبيعة الصنمية المنهجية رفضها للتعددية الثقافية والفكرية التي تظهر في تجريد المختلف من حقه وحرمته الإنسانية لمجرد الاختلاف. إن الأمن والاستقرار الذي يدعيه أكثر الناس لا يتعدى في حقيقته الحاجز النفسي الذي يقع بين ما اعتادوا عليه وبين فكرة التغيير الذي يتصورونه مجهولا ومخيفا ولا يتقبلون إسقاطه على واقعهم، فكان ولا بد من تحرير المنهج من الأدلجة وأن تسود التعددية على هذا المستوى، حيث إن الاتجاه إلى تعزيز فكرة الدين في المناهج والمنابر يجب أن يتزامن مع تعزيز قوة الإيمان بالحياة حتى تكون الحياة والعمل فيها مرآة لعقولنا أمام أنفسنا. القوة التي يفترض أن تلازم الدين ليست في الإقصاء والعنف، ليست في الهدم وإنما في البناء، لأن التفوق في الانحياز للقيم والمبادئ واحترام الاختلاف، وليس الانحياز للجماعة والمذهب والفريق، التفوق في بناء عقل الإنسان ووعيه ومسؤوليته تجاه ذاته وليس في استهلاك طاقاته بالوصاية والمواعظ. [email protected]