عزم القروي العائد من المدينة على تبطين السقف الخشبي بألواح أبلكاش خفيفة تصد ( الوار) الحمم المتكدس في السقف من الداخنة. التصميم الجديد وفر ملاذا آمنا للفئران. ومن لم تتوفر في منزله بساس كان ينثر (سم الحشرات) عند مداخل السفول وفي المسراب لمنع الفئران من الاقتراب كونها رمز الكوليرا والأوبئة إذ أنها من الفواسق التي يباح قتلها في الحل والحرم. الفئران مستخبثة ومؤذية تفتق أكياس وخصف الحب. وتفتح الثقوب في جدران المنزل. وتتسلل إلى الأواني لتفسد ما بقي من الطعام. وفي زمن الكهرباء كانت تمضغ الأسلاك المثبتة في خشب البيت. أحد الزملاء عضّه فأرٌ في طفولته في مكان حساس، وترك أثرا لم تمحه عمليات التجميل، فلازمته الكوابيس حتى اليوم، ولم يعد يفرق بين ما يتخيله في أحلامه وما عاشه في واقعه. وإذا أردنا تخويفه صحنا عليه: (جاك الفأر)؛ لينتفض ويصيح: «أنا سدّ وجه الله». أحد جيراننا منذ أربعة عقود عاد من مكة ومعه منسبة (مصيدة)، يضع فيها قطعة عجين، وتدخل هذه المخلوقات فينغلق عليها الباب، ثم يسخن ماء حارا ويسكبه على أجسادها الغضة خوفا من الوباء الذي يمكن أن تنشره. كان للمنازل فئرانها التي لا تغادر السقوف والعلالي والمخازن وتستهلك ما يتوفر. فيما تعج الأودية بفئرانها التي تتغذى على خشاش الأرض. فيما للمزابل والدمون (أكرمكم الله) نصيبها من الفئران المتخمة فئة خمسة نجوم. كل الفئران في نعمة عدا (فأر المسيد) ففي المسجد لا يتوفر أكياس حب ولا طحين ولا بقايا أكل. فأر المسيد مثال لكسل وبطالة الفئران. يقضي نهاره متسكعا ومتسدحا في أركان المسجد، وعندما يسمع صوتا ناعما يمد رأسه من وراء الباب؛ ليلاحق بنظراته سيدة تتشمس وتفلي صغارها في حوش مجاور محاولا مغافلتها ودخول البيت لعل وعسى. أبو عساف المذرع عانى من الفئران، وقال: (يقول بو عساف بسّتنا مريضة. ما صلّت حتى الفريضة. وخلّت الفيران تأكل من تعبنا. ما معها حرا وغبنا. وإن سمعت في الدار بسٌ ياخ ماوت).علمي وسلامتكم.