ما خلق الله من شدق إلا خلق له رزق. وفي حزة الوسمية تتقاطر السواني لحرث البلاد، ويبدأ الزراع بنثر البذور مرددا (يا الله أعطنا وأعط منا)، ويفرد القبضة المليئة بالحنطة ولسانه لا يفتر من (للطير وشبار الخير) فالأنانية كانت نادرة والهم الجمعي حاضر في أذهان الناس وما بذروه ينال منه النمل والطير والبشر، كان موسم الزرع موسم أمل ، في حين موسم الحصاد زمن بهجة وشكر لله، ومن زرع الحنطة يحصد حنطة، ومن زرع الشعير أو العدس أو الذرة فنتاجه مما زرعه ومثلما تحرث به تصرم به. جاء في الحديث الشريف (المسلمون شركاء في ثلاث، الماء ، والكلأ، والنار) هذه الشراكة في مقومات الحياة زمن النبي عليه السلام تعني أنه لا يجوز احتكارها بل تكون أملاكا مشاعة للنفع العام، ومن طبيعة البشر أنهم لا يقبلون شريكا في مال أو حلال أو حلايل، وفي موسم من مواسم حصاد الصيف جاء طرقي إلى قرية من القرى يتشبر ويجمع ما قسم الله له من حنطة البلاد لأن المزارعين يؤدون حقه يوم حصاده، وحرشه محرش أن عليك ببيت فلان ليكون ضيفا عليه تنكيدا على صاحب الدار كونه غيورا على زوجته، وكلما حان دخول الزوج بيته دخل الطرقي معه فوسع صدره أياما حتى شعر أن الضيف طويل عين على حرمة البيت فقال بكل هدوء «يا ضيفي أنت شريكي في البيت والوادي منذ اليوم ولم يبق إلا هذه الزوجة سأقوم بطلاقها وأزوجك إياها ولنا في السلف الصالح أسوة» ، ففر الطرقي والخجل يعتريه ولم يعد إليه إلا بعد شهر بكيسين حنطة هدية وخاتمة وقدم اعتذاره واعترف بأنه محرش من بعض جماعة القرية ودعا له بالبركة والحياة الطيبة مع زوجته وغادر القرية، فاستعاد رب المنزل قصيدة المذرع أبو عساف (لقيت لي رجال ركب فوق بيري، بالفريدة واشغل البير، يدرج على مهله وكن البير بيره).. وسلامتكم.