مثلما ظل الدكتور حسن عبدالله الترابي في حياته مثيرا للجدل، أشعلت وفاته موجة جدل جديدة خاض فيها كثيرون، إلى درجة أن أحدهم اعتبره صاحب بدعة، لا يجوز الترحم عليه أو دفنه في مقابر المسلمين، مستندا إلى أن الترابي أنكر عذاب القبر وعلامات الساعة الكبرى والصغرى والأحاديث النبوية. واحتدم الجدل بين عامة السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي حول مواقف وفتاوى الترابي بعد أن فارق الحياة عن عمر يناهز 84 عاما إثر نوبة قلبية داهمته أمس الأول. ونبش منتقدوه في تاريخه السياسي المتسم بالبراغماتية، منذ إزاحته لزعيم جماعة الإخوان المسلمين في السودان صادق عبدالله عبدالماجد ليحتل موقعه. وأسس جبهة الميثاق التي تنامى دورها لتصبح ثالث قوة سياسية في البلاد إلى أن استولى العسكريون على السلطة في انقلاب قاده الرئيس السابق جعفر نميري عام 1969. وبعد أن أمضى نحو سبع سنوات في السجن عاد في 1977 ليصالح النميري وينخرط في نظامه إلى أن ضاق النظام به ذرعا. وبذكاء سياسي أسس الترابي حزب الجبهة الإسلامية القومية بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم النميري. وحينما لم تفلح تحالفاته مع الأحزاب السياسية في ترسيخ قواعده في السلطة دبر انقلابا عسكريا واستولى على السلطة عام 1989. ونظرا لأن الترابي لا يرضى بما دون القيادة، اختلف مع الرئيس عمر البشير وأصبح من أشد معارضيه ليؤسس حزب المؤتمر الشعبي عام 1999. ولعب دورا محوريا في تمرد إقليم دارفور الذي قاده في البداية بعض تلاميذه أمثال بولاد وجبريل. لكنه عاد في الآونة الأخيرة ليغازل النظام، ملمحا للمصالحة معه ودمج حزبه (المؤتمر الشعبي) مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وفيما يرى منتقدوه أنه ابتعد عن جادة الطريق عقائديا بعد فتاواه المثيرة أمثال جواز زواج الكتابي (المسيحي واليهودي) للمسلمة، وتقدم المرأة لتؤم الرجال في الصلاة، يبرر بعض مؤيديه تلك الفتاوى بأن الرجل ظل حتى وفاته تحت تأثير إصابته بارتجاج في المخ من جراء اعتداء بطل الكاراتيه السوداني هاشم بدر الدين عليه في مطار العاصمة الكندية أوتاوا عام 1992. وتم تشييع الترابي أمس في الخرطوم بمشاركة رسمية وشعبية وسط إجراءات أمنية مشددة. وكان الترابي قد توفي في مستشفى رويال كير بالخرطوم. ووصل جثمانه على عربة مكشوفة وسط هتاف مناصريه . ووضع الجثمان في أرض خارج مقبرة بري الواقعة في شرق الخرطوم.