مجددا يجب الاستهلال بإعادة التذكير بأن للإنسان مستويين، مستوى غرائزي لا واع مشترك مع الحيوانات والحشرات ومركزه غرور الأنا والذي يمكن رؤية نماذج لسلوكه في تناطح ذكور التيوس على الهيمنة وضرب ذكر الغوريلا والشمبانزي على صدره معلنا عدم وجود منافس لهيمنة غرور أناه، وهذا هو المستوى المستبد بكل من لم يسلك طريق تكريس ذاته على طبائع المستوى الآخر للإنسان والذي يتفرد به الإنسان دون بقية المخلوقات وهو المستوى الرباني الذي يتصف بالمثاليات العليا الفكرية والنفسية والروحية والأخلاقية والسلوكية والثقافية، وإشباع غرور الأنا الغرائزي وهو المحرك الأكبر لغالب البشر قد يتخذ صيغتين؛ الأولى: عندما يكون لصاحبها توجهات الغالبية التقليدية ويكون بالتالي إرضاؤه لغرور أناه هو بأمر مثل جمع أكبر عدد من الأتباع والمؤيدين ولو بأمور سلبية كالتملق العاطفي للجمهور، وأيضا بالدعوات الديماغوجية التي تهيج عدوانية عصبيات الأنا الجماعية للجمهور ضد أهداف تقليدية، أما عندما يكون المغتر الذي يريد أن يرضي غرور أناه هو من اتجاه ليس له مجال لأن يكون شعبويا وجماهيريا فهو ينهج نهجا مضادا لنهج إرادة الحصول على أكبر قدر من الجماهيرية بتملق عاطفة وعصبيات الجمهور، فهو يعمد لاستفزاز الجمهور بأقصى ما يعلم مسبقا أنه سيستفزه لكي يحقق أكبر دوي لدى الجمهور، ولهذا الجمهور «يحب أن يكره» مثل هذا الشخص، ومثل هذا الدوي وإن كان سلبيا فهو يشعره بالأهمية بما أن اسمه صار على كل لسان وصار الشغل الشاغل للجمهور وبالتالي الإعلام، وهذا هو ما يهمه بحق، وإلا فدائما هناك إمكانية لصياغة الأفكار بشكل دبلوماسي ذكي يجنبه الاستفزاز المتصادم مع حساسيات الجمهور الديماغوجية والتي لا تبالي فعليا بمضمون العبارات إنما يهمها استغلالها بحملة تهييج ديماغوجية تحقق لمغترين آخرين الشعبية التي يطمعون بها عند الجمهور، وهكذا هذان النوعان من الناس يحتاجان بعضهما لتغذية وإرضاء غرور الأنا لدى كل منهما عبر الاستفزاز والتحريض والصدام والصراع والبغضاء والتربص وكل سلبيات الأخلاق والأحوال والسلوك، وبلوغ الجمهور مرحلة الوعي الرشيد تكون حينما يستوعب حقيقة محركات هذين الصاحبين اللدودين ويتجاهلهما لصالح ثقافة أكثر إيجابية وعمقا من تلك التي محركاتها وثمارها كلها تتمحور حول إرضاء فرد لغرور أناه بشكل سلبي عقيم يضر بمن حوله سواء أكان يجلب لصاحبه حب أم بغض الجمهور، وأخيرا؛ من يهمه إيصال الفكرة والنفع بها سيتجنب الأسلوب الاستفزازي الفج. [email protected]