للإنسان طبيعتان مختلفتان؛ طبيعة دنيا وتتمثل بالأنا الغرائزية وغرورها النرجسي الأناني وهي المشتركة مع الحيوانات والحشرات وهي لا واعية، والطبيعة الثانية هي طبيعة عليا ربانية واعية يتفرد بها الإنسان، وبحسب النوازع التي يختار الإنسان أن يتبعها تصبح شخصيته متطبعة بطبائعها، فإن اختار اتباع نوازع الطبيعة العليا فسيصبح مثاليا ربانيا من كل وجه، وإن اختار اتباع نوازع الأنا الغرائزية وغرورها النرجسي الطغياني الذي يمكن رؤيته مثلا في الذكر المسيطر في جماعات القرود فستصبح شخصيته مسيرة بالكامل بالغرائز المشتركة مع الحيوانات والحشرات، ولأن أهم نزعة في الأنا الغرائزية هي نزعة غرورها النرجسي الطغياني الذي يسير الكائن باتجاه إرادة الاستعلاء على الآخرين وفرض الهيمنة والإخضاع لاستغلالهم بشكل يضر بهم، فغالب الناس بسبب ظروفهم غير المساعدة لا يجدون إشباعا لهذه النزعة ولهذا غرور الأنا المحبط لديهم من عدم إشباعه ينهج مسلكا معاكسا للترفع والإباء والكبرياء وذلك بالتماهي مع أصحاب غرور الأنا المتضخم المهيمن «ذوي المكانة» باتباع سلوكي التملق «التطبيل» والمسكنة وهي استدرار شفقتهم لكي يحصل على الاهتمام الذي لم يمكنه الحصول عليه باستحقاقه وبشكل يوهم غرور الأنا لديه أنه ذو أهمية خاصة عند ذوي المكانة فيتكبر ويستعلي بها على نظرائه، والتملق هو؛ تغذية غرور الأنا الخاص بصاحب الهيمنة او المكانة للتلاعب به عبر إدمانه لنشوة تغذية غرور أناه التي تتطلب مداهنة ومنافقة وإطراء وكذب المتملقين معه لإرضائه، والمجتمعات التي تسودها ثقافة إيجابية بناءة تكرس عدالة الفرص يسعى الأفراد لإرضاء كبرياء الأنا بالنجاحات الشخصية المادية والمعنوية القائمة على الكفاءة الذاتية والجد والاجتهاد والإنجاز الحقيقي، بينما في المجتمعات التي تسودها ثقافة كسولة خاملة بليدة لا فرص عادلة فيها فمساعي إرضاء غرور الأنا بل وحتى مساعي الحصول على الحقوق المشروعة تكون بالتملق والمسكنة، وهما صفتان حذر منهما القرآن والأحاديث النبوية بأشد لهجة واعتبرهما دلالة على الافتقار للوعي الروحي وقال النبي إنها صفات يكرهها الله ومن يتذلل «يتضعضع» لذي مكانة ومال لينال شيئا «ذهب ثلثا دينه» «اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير»، وفي الصحيح (إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب) وهم المتملقون «المطبلون» لأن سلوكهم مفسد للطرفين؛ فهو يؤدي لتزييف الحقائق وإغواء ذوي المكانة بالطغيان والإفراط في حظ نفوسهم والتفريط في حق الآخرين عليهم، وبالنسبة للمتملق يكرس فيه أسوأ الصفات؛ كالنفاق والكذب والدونية والاستكبار على المستضعفين بما حصله من فتات بتملقه ومسكنته للمغترين. [email protected]