في الأثر أن امرأتين احتكمتا للنبي سليمان في ولد وكانت كل منهما تدعي أنها أمه، فأمر سليمان بشطر الولد إلى نصفين وإعطاء نصف لكل واحدة، فما أن نطق بهذا الحكم حتى صرخت إحداهما راجية إياه أن يعطي الولد للأخرى معلنة تنازلها عنه وأنها ليست أمه الحقيقية، فعرف سليمان أنها هي أمه الحقيقية وحكم لها بالولد، لأن حرص الأم الحقيقية على حياة الولد وإن كان عند غيرها هو الذي جعلها تضحي ببقائه معها، بينما الأخرى الدعية التي غرور أناها هو الذي كان وراء إرادتها أن تستحوذ على الولد لم تبالِ بقتله وتمزيقه في سبيل إرضاء غرور أناها بتملكه.. لا يوجد مثال أبلغ من هذا يرد به على كل من يزعم حب الشعب والحرص على مصلحته وباسم زعمه هذا يتزعم الصراعات والحروب التي تحرق وتقتل وتشوه وتعوق وتشرد وتجوع وتعذب وتيتم وترمل وتفني الشعب، فهذا هو جوهر الدعوات الديماغوجية التي باسم حب الشعب تهيجه على الصراعات والعدوان والحروب الأهلية والخارجية وذلك عبر النفخ في غرور الأنا الجماعية وإغراء من يتماهى معها بأحلام أوهام العظمة الملحمية التي سرعان ما تتحول لكوابيس لا يستفيد منها سوى من نفخ في نارها فهو الذي يغنم كل شهواته وأهواءه منها وكل من عداه هم مجرد حطب لنارها، أما آن الأوان للشعوب أن تصحو من أوهام هذه الكوابيس على حقيقة أن من يحبها بحق ويريد مصحتها هو الذي يوقف توريطها بالحروب العبثية العدمية؟. والنهضة والإصلاح والانتصار للحقوق في العصر الحديث ما عادت الحروب والعنف والإرهاب طرقا موصلة إليها، بل على العكس هي قاطعة للطريق الموصل إلى تلك الغايات المشروعة، فالطريق الموصل إليها هو طريق التوعية والتعليم والتثقيف والفكر.