من السهل أن يمسك أي كاتب أو محلل سياسي عربي قلما ثم ينهال بالشتائم والتشنيع على المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأمريكية «دونالد ترامب» في سياق ردود الفعل على دعوته المثيرة لحظر دخول المسلمين للولايات المتحدة.. من السهل كذلك أن يعلن هذا الكاتب أو المحلل أن ترامب بات خارج اللعبة السياسية ولا يمكن أن يفوز بالرئاسة لأنه عنصري ومجنون وما إلى ذلك من أوصاف لا تعني أي شيء بالنسبة للناخب الأمريكي على أرض الواقع. مشكلة المحلل السياسي العربي أنه «شاعري» ومنفصل عن الواقع.. يمكنه أحيانا أن يكتب قصائد مديح وهجاء بلغة سياسية ثم يوقعها باسمه ويسميها «رؤية سياسة» ويعتقد أن العالم سيسير وفقها، هكذا بكل صفاقة، لأنه في الغالب لا يستطيع أن يدرس القضايا المطروحة ويلم بكافة جوانبها، كما أنه لا يجيد وزن المعطيات بثقلها الواقعي بشكل يؤهله للحكم عليها موضوعيا. الشيخ دونالد ترامب (لقب الشيخ نسبة إلى مشيخة المال طبعا) رجل ملهم لكثير من الأمريكيين ومفكر له مؤلفات وإصدارات مهمة وجماهيرية ومترجمة لمعظم اللغات، وهو في الوقت نفسه الأكثر حظا بين الجمهوريين لدخول البيت الأبيض وفق جميع استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة، بل إن الفارق بينه وبين أقرب منافسيه كبير ولافت جدا تكاد تتجاوز نسبته الضعف، وهو على الرغم من كل الحملات الإعلامية الساخرة يكسب كل ساعة مزيدا من الشعبية بين الناخبين الأمريكيين، لأنه يجيد فهم المزاج العام وتسويق نفسه كبطل ومنقذ حقيقي للشعب، وغالبا ما تأتي تصريحاته المثيرة متوافقة تماما مع نتائج استطلاعات رصينة أجريت قبلها حول نفس القضايا، وهذا أمر تطرق إليه الكاتب المعروف دانا ميلبانك في واشنطن بوست أخيرا، تعليقا على مسألة دعوة «ترامب» لحظر المسلمين، إذا أشار إلى أن ترامب اعتمد على نتائج استطلاع أجراه مركز غافني للسياسات الأمنية، يظهر أن 25% من المسلمين في الولاياتالمتحدة يعتقدون أن (العنف ضد الأمريكيين في أمريكا مبرر، كونه جزءا من الجهاد العالمي)، كما أن 51% من المسلمين الأمريكيين يعتقدون بأنه «من حقهم اختيار تحكيم الشريعة»، ومثل هذه النتائج مرعبة للأمريكيين، ويأتي تأييدهم لترامب بعد إعلانها من مبدأ أمني لا عنصري. أيضا لابد من فهم أن دعوة ترامب المثيرة ليست كما صورتها وسائل الإعلام فهي جاءت في سياق سخريته من الحكومة الأمريكية الحالية، إذ بين أن حظر دخول المسلمين حل مؤقت لعجز حكومة أوباما عن التفريق بين المسلم الإرهابي والمسلم المسالم، وبعد تصريحه بأيام قال استبيان أجرته شركة راسميوسين الأمريكية إن 46% من الأمريكيين يفضلون منعا مؤقتا لدخول المسلمين بينما عارض 40% منهم ذلك، فيما لم يستطع 14% أن يقرروا بين الخيارين. يراهن البعض حاليا على أن الحزب الجمهوري قد لا يرشح ترامب، وهذا رهان خاسر للحزب نفسه ومن الجنون وغير المتوقع أن ينساق له، لأنه سيخسر جزءا كبيرا من قاعدته الشعبية التي ستصوت لترامب إن رشح نفسه مستقلا كما صرح ترامب نفسه لصحيفة «هيل» الأمريكية في وقت سابق. بالنسبة للعرب، يبدو الانسياق سياسيا للعاطفة في الموقف تجاه ترامب من الأخطاء السياسية الفادحة، ويمكن هنا التذكير بالحملات الساخرة التي شنها الإعلام على جورج بوش الابن قبل ترشحه للرئاسة ومع ذلك فاز بفترتين رئاسيتين، ولهذا فإن الحياد سياسيا تجاه المرشحين الأمريكيين المحتملين هو الموقف المفترض والموضوعي، فالرئيس الأمريكي أيا كان ليس سلطانا مطلق السلطات كما هي الصورة الذهنية لدى معظم العرب للحاكم، والتجارب أثبتت أن العالم العربي والإسلامي يصبح أكثر أمنا عندما يجلس الجمهوريون في البيت الأبيض، ويكفي أن نراجع سياسات ومواقف الديمقراطيين الأمريكيين في الشرق الأوسط طوال فترة حكم أوباما لنرى ذلك بكل وضوح.