في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أن بلاده لن تسحب قواتها من الأراضي العراقية حتى تحرير مدينة الموصل من قبضة «داعش»، كانت الآليات العسكرية التركية في محافظة نينوى العراقية تنسحب منها بشكل جزئي بعد تدخل الرئيس الأمريكي أوباما لدى الرئيس التركي أردوغان. تصريحات أوغلو السياسية المتناقضة تماما لما يجري في الميدان، فتحت المجال مجددا أمام استدعاء النخب السياسية لمستودع الذكريات التي تتحدث فيها أنقرة عن عدم تراجعها عن مواقفها السياسية بينما في الميدان يكون الأمر مناقضا للمواقف العلنية. عمليا أغلق أوغلو أذنيه تماما عن الإصغاء لمعلومات أولية تتحدث عن انسحاب تركي من شمال العراق بل واصل تصريحاته في المؤتمر الصحفي، الذي عقده بتأكيده أن بلاده لن تنسحب من الأراضي العراقية إلا بعد تحرير الموصل من قبضة «داعش»، لافتا إلى أن أنقرة تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد تنظيم داعش. وهنا لا يمكن اعتبار ما قاله أوغلو سياسيا يدخل من باب التكتيك السياسي، لأن الفعل العسكري على الأرض كان مناقضا تماما لما أعلنه سياسيا وفقا لما يقوله ل «عكاظ» المحلل السياسي العراقي عقيل الجبوري، الذي يوضح أن الانسحاب الجزئي للقوات التركية من معسكر بعشيقة بالقرب من الموصل جاء مغايرا لكل التصريحات والمواقف التي خرجت من أنقرة، مشيرا إلى أن إصرار الجانب التركي على هذه المسألة مستخدما المعايير المزدوجة لقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن غير مفهوم. وقال الجبوري إن الرأي العام العراقي وإجماعه مع الحكومة والبرلمان على الاعتراض بشأن الوجود التركي في الشمال أحرج الدولة التركية إحراجا كبيرا، وبالتالي كان التراجع ولو شكليا بانسحاب جزئي كرد لهذا الإجماع. لغم الانسحاب الذي انفجر فجأة في حضن أوغلو غير المعطيات وأحدث إرباكا في المعادلة السياسية التركية وأظهر أن القرارات تتخذ في أنقرة من قبل رئاسة الدولة ولا يتم التشاور بها مع مؤسسة رئاسة الوزراء. ويقول الجبوري إن ما اتضح من مواقف مختلفة بين رئاسة الجمهورية ومؤسسة رئاسة الوزراء، يؤكد انفراد أردوغان بالقرار التركي، لأن لا فارق زمنيا بين بدء الانسحاب العسكري وإعلان أوغلو البقاء في شمال العراق، فالرجل كان يتحدث والقوات على الأرض كانت تنسحب. عراقيا نقل مسؤول عراقي رفيع ل «عكاظ» أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يعتبر أن الانسحاب التركي من شمالي العراق غير مقنع، لأنه جاء بشكل جزئي والمطلوب انسحاب قوات أنقرة بأكملها إلى خارج الحدود العراقية، مشيرا إلى أن العبادي تلقى من واشنطن ضمانات بانسحاب القوات التركية، غير أن الواقع على الأرض جاء بمثابة إعادة انتشار، وهو ما ترفضه بغداد وستواصل الاتصال بواشنطن لتنفيذ هذه الضمانات.