تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصالح الوطنية العليا تدعو إلى تقوية العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن
نشر في عكاظ يوم 03 - 09 - 2015

العلاقات التاريخية المميزة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية مسألة معروفة للجميع، وفيها من التفاصيل ما لا تتسع له هذه المساحة، لكن الانطلاق من التذكير بهذه العلاقة وطبيعتها وديمومتها، التي استمرت لأكثر من ثمانية عقود (منذ 1931م)، وتحقيقها لمصالح الطرفين ومساعدتها على حفظ أمن المنطقة، مهم جدا في سياق الظرف الذي نتحدث فيه، فالناظر في هذه العلاقة والمبادئ التي قامت عليها والأهداف التي استمرت لتحقيقها يرى أنها مدخل مفيد وأساسي لمن أراد أن يقرأ تفاصيل المشهد الجيوسياسي والتجاذبات على مسرح الأحداث، وهي مهمة أيضا لمن أراد أن يفهم الإطار الذي تتم فيه تفاصيل هذه العلاقة وإدارتها. فالعلاقة القوية التي تجمع الدولتين ما كانت لتدوم وبهذا الاتساق والانسجام والاستمرار لسنوات طويلة لولا أنها تعبر عن الإرادة في تحقيق المصالح الوطنية العليا لكلا البلدين ضمن فهم مشترك لاستقلال الإرادة والاحترام المتبادل حتى وإن اختلفت وجهات النظر في بعض القضايا الإقليمية والدولية.
وقد أدركت قيادات البلدين -منذ وقت مبكر- أهمية هذه العلاقة وحرصت على توطيدها وترسيخ الأهداف التي قامت عليها. وكانت الزيارات المتبادلة بين زعامات البلدين تعبر عن هذا التوجه بعد أن وضع مبادئها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وسار على دربه أبناؤه الملوك.. وكانت أول زيارة قام بها وفد سعودي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة عام 1943 حين أرسل الملك المؤسس نجليه الأمير فيصل (الملك) وزير الخارجية آنذاك والأمير خالد (الملك) -رحمهما الله- لبحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، ثم توالت زيارات الملوك والأمراء وكبار المسؤولين السعوديين إلى واشنطن، والرؤساء الأمريكيين وكبار الوزراء إلى الرياض لسنوات من العلاقات المميزة.
وتأسيسا على هذه الحقائق والفهم لطبيعة التواصل بين البلدين يتضح أن هذه العلاقات القائمة على تحقيق المصالح الوطنية العليا مهمة لكلا الطرفين واستمرارها والحفاظ على أسبابها ضرورة لاستقرار المنطقة دون أن يكون في هذا التمسك أي تخل أو تنازل عن قناعات أو خصوصية ثقافية، وفي إطار هذا الفهم يمكننا أن نقرأ بموضوعية ما يراه البعض نوعا من اختلاف المصالح تجاوز المعهود في علاقة البلدين.
رؤية مشتركة
من المبادئ الراسخة التي قامت عليها المملكة العربية السعودية وتعمل على التمسك بها واستمرارها، بسط الأمن والحفاظ على الاستقرار والوقوف في وجه الاضطرابات والقلاقل، إيمانا منها بأن هذه الأسس هي ما تقوم عليه التنمية ويؤسس الرخاء ويحمي المجتمعات من فقدان التوازن وشيوع الاضطرابات. وكانت سياستها -وما زالت- قائمة على هذا المبدأ، وتسعى بكل إمكانياتها لتعميقه وتوسيع دائرة المؤمنين به والمشاركين في العمل به والتعاون معهم لمساندة الجهود السلمية في معالجة القضايا الشائكة، مع التزامها المبدئي بنصرة الحق والدفاع عنه. وهذا المبدأ كان أحد محاور الالتقاء مع السياسة الأمريكية، في عمومها، مع الإقرار باختلاف وجهات النظر حول التفاصيل.
المصالح المشتركة
وهناك اقتناع -له ما يبرره موضوعيا- بأن الأسباب التي دعت إلى قيام علاقة استراتيجية بين البلدين ما تزال قائمة، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الكبرى التي تشكل محور السياسة الدولية والتأثير العسكري والأمني وأكبر اقتصاديات العالم، والمملكة العربية السعودية دولة محورية في مجالها العربي ومحيطها الإسلامي وحضورها الدولي ووزنها الاقتصادي والمنتج الأول للطاقة البترولية، واستقرارها وقوتها عامل أساس في استقرار المنطقة والمحافظة على السلم. كل هذا يجعل من يعتقدون أن العلاقة بين البلدين معرضة للتغيير مطالبين بإعادة قراءة الواقع بعين فاحصة تدرك الفرق بين القضايا الاستراتيجية والمواقف الآنية.
نظرة على الواقع
الجميع متفق على أن هذا الجزء من العالم يمر بأحداث متلاحقة منذ عقود جعلته بؤرة لاهتمام العالم، وهي أحداث تعرض أمن دوله ومجتمعاته لتحد حقيقي ولهذا ينشغل الجميع بقراءة الواقع بحثا عما وراء الأحداث ولمعرفة إلى أين تتحرك العلاقات بين دوله والدول الكبرى، وما هي المتغيرات على المواقف وما تأثيراتها على الاستقرار؟
للأسف خريطة المنطقة ملتهبة تنذر بالأخطار وتدفع العقلاء إلى البحث عن جذور المشكلات وآليات مواجهتها قبل فوات الوقت.
ونحن نتحدث عن خارطة المنطقة على هامش الزيارة التاريخية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى واشنطن في هذه الظروف المضطربة لابد من الوقوف بإشارات سريعة على المناطق الملتهبة وتسليط الضوء على مواقف البلدين فيها.. نقاط الالتقاء في وجهات النظر ومواضع الاختلاف.
القضية المزمنة
ليس خافيا أن القضية الفلسطينية تشكل إحدى المحطات الشائكة في العلاقات بين البلدين، رغم الاتفاق على المبدأ العام في الحل المحقق للعدل. ومواقف المملكة -وعلى مر التاريخ- كانت واضحة ومبدئية في هذا الشأن فهي ملتزمة بحق الفلسطينيين وما تقرره قياداتهم الشرعية، وبقيت السند المعين لتحقيق مطالبهم العادلة دون شعارات أو ادعاءات، وكان لديها الفهم والإدراك لأهمية المرونة التي لا تضيع معها الحقوق وتعاملت سياستها بواقعية -لا تنسى المبادئ- مع متغيرات الواقع الإقليمي والدولي وتزايد آلام ومآسي الفلسطينيين والسعي إلى إنهاء المأساة، ولهذا جاءت مبادرتها التاريخية التي تبنتها الجامعة العربية كأحد المساعي العملية لدفع التعنت الإسرائيلي ووضع العالم أمام مسؤولياته.
هذه السياسة العادلة الموضوعية واجهها -كما هو معروف- رفض إسرائيل وضغوط اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة مما أدى إلى أن أصبحت السياسة الأمريكية -في عمومها- منحازة لإسرائيل بشكل أعاق أي خطوات دولية تدفع بالعملية السلمية إلى الأمام.
والإدارات الأمريكية المتوالية تعلن -دائما- أنها تعمل على البحث عن طرق جديدة لاتخاذ خطوات بناءة لدعم الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية من أجل تحقيق تقدم إلى تسوية عن طريق التفاوض.. وتؤكد واشنطن أن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون أن تكون لهم دولتان ذواتا سيادة، قابلتان للحياة. وأن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون له الحق في حكم نفسه بنفسه. وهي -الولايات المتحدة- تبدي قلقها في الآونة الأخيرة من تزايد العنف والتوتر في القدس.
كل هذه السياسات والمواقف -بغض النظر عن الاتفاق على مبدأ العدل- تشير إلى اختلاف وجهات نظر البلدين الصديقين حول القضية الفلسطينية وهذا معروف وهو يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من أن علاقة البلدين القوية لا تعني تطابق وجهات النظر في كل شيء.
المأساة السورية
سياسة المملكة المعروفة الداعية إلى السلم والاستقرار وإبعاد الدول والمجتمعات عن كل ما يزعزع أمنها كانت حاضرة منذ اليوم الأول لتحرك السوريين ضد نظام بشار -نتيجة لمظالمه ورفضه سماع رأي مواطنيه- بادرت بتقديم النصح للنظام بضرورة معالجة الأزمة في مهدها، وكان النظام قادرا على ذلك بأشياء قليلة لا تفقده مركزه وتحل احتياجات الذين رفعوا أصواتهم، لكن تمادي النظام في استخدام القوة ضد المدنيين وتجاهل نداء الأشقاء والأصدقاء ووقوعه في أحضان من لا يريد للعرب ومجتمعاتهم الاستقرار، اضطر المملكة إلى الوقوف مع مطالب السوريين العادلة، والسعي مع أصدقائها الأمريكيين والأوروبيين إلى فرض الحل على نظام بشار، لكن «التراخي» الذي اتسمت به مواقف الدول الكبرى، عموما، أدى إلى خلافات في هذه القضية رغم اتفاق الجميع على إيقاف القتل والتشريد والدمار. وما تزال المواقف متباينة حول الآليات لإنهاء الأزمة السورية رغم الاتفاق على المبدأ العام القاضي بحماية المدنيين وإيقاف آلة القتل التي يمارسها النظام. والنظرة الموضوعية تساعد على فهم وتعليل اختلاف وجهات النظر في هذه القضية فقد تغيرت أشياء وتبدلت أحوال ودخلت عوامل جديدة أصبحت جزءا من المشكلة وعقدت الفهم وصعبت الحلول، فنشوء الحركات الإرهابية وتوسع نفوذها أدى إلى الاختلاف حول تقدير المخاطر والتالي اختلاف الأولويات.
الولايات المتحدة تؤكد تعاطفها مع السوريين والظروف الإنسانية التي يتعرضون لها ولهذا تدعم النازحين وهي إحدى الجهات المانحة، كما تدعم المعارضة المعتدلة لتقويتها ضد الإرهابيين وضربات النظام الموجهة ضد المدنيين وتؤيد الحلول السلمية تحت مظلة الأمم المتحدة. ورغم اختلاف وجهات النظر حول بعض التفاصيل في الشأن السوري إلا أن التعاون قائم لإنهاء الأزمة.
الوضع اللبناني
الأوضاع اللبنانية من القضايا التي تتفق فيها رؤية البلدين في المجمل بغض النظر عن اختلاف الآليات، وكانت المملكة وما تزال وستظل تبحث مع أشقائها في لبنان وخارجه وأصدقائها في العالم، كل الآليات والوسائل التي تعين اللبنانيين على تحرير إرادتهم والاحتفاظ بنموذجهم التعددي الذي يشكل أحد ملامح المنطقة. وواشنطن تدعم هذه السياسة وتساعد مواقف المملكة.
الحالة اليمنية
السياسة الأمريكية كانت دائما تقدر أن لليمن وضعا خاصا بالنسبة للمملكة، بحكم روابط عديدة منها التماس الجغرافي وتشابك المصالح وضرورات الأمن، وكانت سياستها داعمة لجهود المملكة وما تبذله من أجل مساندة الشعب اليمني الشقيق ضد المصاعب التي تواجهه، وحتى عندما أصبحت القاعدة تشكل خطرا على أمن اليمن وجيرانه ودخول الولايات المتحدة في مواجهة معها، ظل تقدير العلاقات السعودية اليمنية يلقى آذانا صاغية من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وحين اتخذت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القرار التاريخي بإعلان عاصفة الحزم للوقوف مع الشرعية والتصدي لأهداف المتمردين الحوثيين الذين تحركهم السياسة الإيرانية، كان موقف الولايات المتحدة مساندا ومتفهما للقرار السعودي ولهذا بادرت بتقديم المساعدات اللوجستية المهمة لتحقيق أهداف عاصفة الحزم. وترى واشنطن أن الالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الصادر تحت البند السابع هو أفضل وسيلة للوصول بهذا البلد إلى السلام. وكما هو معروف فإن القرار يؤكد على الانسحاب الفوري لقوات الحوثيين وصالح من المناطق التي استولوا عليها وتسليم أسلحتهم والتوقف عن استخدام السلطات التي تندرج تحت سلطة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي والدخول في مفاوضات بهدف التوصل إلى حل سلمي.
الأمن الخليجي
أمن الدول الخليجية واستقرارها وحماية مصادر الطاقة من أهم القضايا الاستراتيجية التي تشترك فيها الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة، ولهذا كانت واشنطن معنية بتقوية علاقاتها مع دول مجلس التعاون بغض النظر عن التفاصيل الصغيرة واختلاف وجهات النظر حول آليات أو معالجات بعض الأمور الثنائية. ومنذ قيام الثورة الإيرانية كان أمن الخليج وتأمين مصادر الطاقة قضية أساسية وقفت فيها واشنطن ضد التهديد الإيراني الساعي إلى هز المنطقة، وتصدير ثورتها والعمل على خلق جيوب وأحزاب وعملاء يحققون أهدافها.. وكان موقف الولايات المتحدة مؤيدا لدول مجلس التعاون خلال الحرب الإيرانية العراقية وبمساعدتها استطاع العراق إيقاف الخطر الإيراني الزاحف وكسر إرادة حكام طهران حتى اضطر الخميني إلى «تجرع السم» -كما يقال- ويعلن إنهاء الحرب، لكنه لم يوقف تهديد أمن المنطقة.. وحين غزا صدام حسين الكويت تحركت الولايات المتحدة بدعوة من الملك فهد -رحمه الله- لتشكيل التحالف الدولي من أجل تحرير الكويت وعودة أهلها وهو الانجاز الذي تحقق للموقف التاريخي الشجاع للملك فهد -رحمه الله-.
وتحرك الإدارة الأمريكية الحالية في اتجاه إيران وحرصها على توقيع الاتفاق النووي وإنهاء حقبة من العداء «المعلن» هو الأمر الذي رأى فيه البعض تغيرا في المواقف، لكن كانت واشنطن حريصة على التأكيد أن الاتفاق النووي مع إيران لا يعني مطلقا تخليها عن حلفائها الخليجيين وأن الاتفاق يصب في مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد تحركت الدبلوماسية الأمريكية خلال الفترة الماضية من خلال زيارات ولقاءات رئيس الدبلوماسية الأمريكية بالزعماء الخليجيين لتأكيد هذه المواقف وأن الاتفاق مع إيران يتضمن الحفاظ على الأمن في المنطقة فهو أغلق مسار قدرة إيران على صنع قنبلة نووية لأن المعايير التي تضمنها الاتفاق توقف المسارات الفنية التي تستطيع بها إيران الدخول إلى بوابة الأسلحة النووية، وأن الاتفاق يضمن خضوع البرنامج النووي الإيراني للفحص الدقيق وسلميته بالكامل. وشرحت واشنطن ضرورة المضي في الاتفاق لأنها إذا انسحبت من الاتفاق فإن شركاءها لن ينسحبوا معها وستجد نفسها تسير بعيدا عن نظام العقوبات المتعددة الأطراف، وبهذا تكون قد أهدرت فرصة تمكنها من حل المشكلة بالوسائل السلمية.
الحرب ضد الإرهاب
المملكة من أوائل الدول التي نبهت لخطر الإرهاب على الأمن الوطني والإقليمي والدولي، وبادرت إلى تحذير الأشقاء والأصدقاء من هذا الخطر ولم تكتف بهذا التحذير بل شرعت في بناء منظومة أمنية وفكرية لمواجهته، ودخلت في حرب حقيقية مع الفكر المتشدد والإرهاب الدموي والعنف وأنجزت الكثير من النجاح حتى باتت تجربتها موضع اهتمام المختصين.. لكن الإرهاب -وكما نبهت المملكة كثيرا- ليس قاصرا على بلد أو جنس أو منطقة أو دين، فهو ظاهرة تجتاح العالم وعليه مواجهتها وإلا أصبح ضحيتها، والشراكة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن معروفة على كل المستويات، وها هما الدولتان تشتركان في تحالف دولي لمحاربة التنظيم الإرهابي «داعش».
حديث الساعة
في ظل هذه الظروف الجارية وعلى هذا المسرح الملتهب وفي سياق البحث عن حلول للقضايا الشائكة، كيف يمكن النظر إلى اللقاء المرتقب بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وماذا يتوقع المراقب الذي يعرف مواقف المملكة المبدئية ونظرتها للعلاقة مع الأشقاء والأصدقاء ومسؤوليتها العربية والإسلامية؟
الذين يعرفون السياسة السعودية يدركون أن المملكة لديها من الفهم والتجربة والإمكانيات ما يجعلها حريصة على التعاون مع أصدقائها للحفاظ على أمنها واستقرارها وصون الأمن في المنطقة، ومواجهة كل التحديات التي تزعزع أمن دول وشعوب المنطقة وتدخلها في نفق الاضطرابات. وبشكل أكثر تحديدا: أرى أن مواقف المملكة المعتدلة المتفهمة لطبيعة العلاقات بين الدول واختلاف المصالح الجزئية تساعد على معالجة القضايا المشتركة بفهم يدفع باستمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وسيكون تفهم واشنطن لرؤية المملكة تجاه الأمن الخليجي والمشروع النووي الإيراني ومساندة الشرعية في اليمن وإنهاء مأساة الشعب السوري ومعالجة الخلل في السياسة الطائفية في العراق، عاملا مهما في مستقبل المنطقة.
والمملكة -كما هو معلن- ليس لديها اعتراض على أن تكتسب إيران من القوة المشروعة ما يعزز وجودها لكنها ترفض -بشكل مطلق- أن تكون إيران مهددا لأمن دول المنطقة بأي شكل من الأشكال. وإذا لم تتخل إيران -بالتفاهم مع واشنطن- عن سياساتها المغذية للعنف والاضطرابات فإنها لن تستطيع أن تحقق أجواء من التعاون، فالمملكة لن تقبل أن تشكل إيران مصدرا للقلق في المنطقة العربية من خلال وكلائها والأحزاب التي تتبعها، وهي حريصة على إنهاء مأساة الشعب السوري بما يرتضيه السوريون لأنفسهم دون بقاء نظام خلق المشكلة وحرص على استمرارها بل وعمل على إيجاد بيئة حاضنة للمنظمات الإرهابية بكل ما تشكله من اخطار على أمن المنطقة والدول.
ومن المنطقي أن الزيارة التاريخية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- قد أعدها، بشكل جيد، لتكون منعطفا مهما في مسيرة المنطقة ومحطة على طريق العلاقات مع واشطن.
الإنجازات التي تمت خلال الاشهر القليلة الماضية كشفت عن أسلوب ورؤية الملك ومواقفه في اللحظات الحرجة فإطلاق عاصفة الحزم لإنقاذ الشرعية في اليمن وإيقاف المد الإيراني المتمثل في الانقلاب الحوثي يؤكد أن للمملكة رأيا واضحا في علاقاتها مع الجيران والأصدقاء وأن أمن الوطن واستقرار دول مجلس التعاون ليس مجالا للتهاون، إلى جانب ما لديها من مسؤولية عربية توجب عليها القيام بما يحفظ هذا الأمن ويبعد عنه الأخطار.
هذه المواقف المبدئية المعروفة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز تساعد على فهم آليات معالجة المملكة للقضايا المشتركة مع الأصدقاء ولهذا يتوقع المراقبون أن تكون الزيارة حملت في إعدادها أسباب نجاحها قبل إعلان نتائجها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.