افتتح الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس درسه الأسبوعي في صحن المطاف بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم واصل بمتابعة تفسير آيات سورة الذاريات من كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - من الآية السادسة والخمسين وحتى نهاية السورة. وبدأ الرئيس العام بتفسير الآية رقم (56) (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس (إلا ليعبدون) أي: إلا للعبادة. وقال السعدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع، (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) (لقمان: 25) هذا منهم عبادة، وليس ينفعهم مع الشرك، وقال الضحاك: المراد بذلك المؤمنون. هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم. ثم انتقل معاليه إلى الآية (57) (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) أي: ما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطعموه، تعالى الله الغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وأبوسعيد قالا حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأنا الرزاق ذو القوة المتين). ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من حديث إسرائيل، وقال الترمذي: حسن صحيح. ومعنى الآية: أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم.