أنزل الله عز وجل هذه السورة العظيمة, وفيها من الألفاظ العقائدية والبلاغة الربانية, وتهذيب السنتنا, وتعليم انفسنا, وخضوع ارواحنا لله عز وجل, فعلمنا كيف الادب مع الله, فالحمد والثناء اولا, ثم الدعاء, وفيها اقسام التوحيد الثلاثة, توحيد الربوبية, وتوحيد العبادة (الإلوهية), وتوحيد الاسماء والصفات, فلنتمعن في آياتها, ونبحر في معانيها, ونستشف بعض اسرارها, ونغرف من منابعها الرقراقة, قال الله تعالى (الحمد لله) وتعني هذه الكلمة الثناء على ربنا الله بصفات الكمال, والشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه, عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما انعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله الا كان الذي اعطى افضل مما اخذ "2". فلله الحمد والشكر والثناء الحسن على اكبر نعمة انعم علينا بأن انزل على رسوله قرأنا نتلوه ومنهجا ننهجه, وعلما ننهل منه, وشفاء للاسقام, ونورا للأفهام, وانشراحا للصدور, ونورا في القبور, وشفيعا لقارئه, وحجة للعبد او عليه نسأل الله ان يجعله حجة لنا وقائدنا الى الفردوس الاعلى من الجنة. وقال (رب العالمين) فمعناها هو الرب المربي جميع العالمين, وهم الذين اعد الله لهم النعم العظيمة, والالاء الجسيمة, التي تستقيم بها الحياة, وتنعم بها البشرية, ونعمه كذلك على العالم الآخر عالم الجن, الذي يشاطر البشر في قوله تعالى (سنفرغ لكم آية الثقلان) وقول (يا معشر الجن والانس) وقول (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) فهم مكلفون تماما كالبشر, فأيضا لهم ارزاقهم ونعائم الله عليهم لا ينكر ذلك الا كافر, فهم ايضا من العالمين الذين ذكرهم الله في الآية, قال ابن كثير رحمه الله: ففي رواية سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابي عباس: اي رب الجن والأنس, وقال الفراء وابو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الأنس والجن والملائكة والشياطين, قال السعدي رحمة الله: للتربية الربانية نوعان عامة وخاصة, فالعامة هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا, اما الخاصة فهي تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وهكذا يتبين لنا معنى من المعاني العظيمة, التي يقر الله فيها ان الفضل له والمنة علينا اذ انه هو ربنا المربي لنا, والمعلم لنا, والهادي لنا, والذي اخرجنا بفضله واحسانه من الظلمات الى النور, وهدانا الى صراطه المستقيم, فهو الرب المعبود, والإله المألوه الذي تعبده هذه العوالم من الأنس والجن والملائكة والشياطين, ولكن الكثير من الناس لا يعترفون برب العالمين كالملاحدة وغيرهم من اصحاب العقائد الأرضية, الشيطان رغم عصيانه وتمرده على الله الا انه لا ينكر بأن الله هو رب العالمين ولكنه حينما تمرد وعصى امر الله بالسجود لآدم اخرجه الله من جنته, وحل عليه غضب الرب, ولكنه يعترف ويقر بان الله هو رب العالمين ولا ينكر هذا, قال الله تبارك وتعالى (كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين) وهذا لا ينكره احد بأنه هو المعبود, اما الملحدون والعياذ بالله من حالهم فهم ينكرون الرب تبارك وتعالى فيقولون لا إله والحياة مادة, وتدل هذه الآية دلالة واضحة على انفراد الله بالخلق وتدبيره لهم وانعامه عليهم وهم سبحانه له كمال الغنى, والعباد مفتقرون اليه لقوله تعالى (يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد) "1". الوقفات 1- فضل صورة الفاتحة وأنها لا صحة لصلاة المرء الا بها. 2- الرب سبحانه وتعالى هو المربي لنا بنعمة ومنها نعمة الاسلام الذي هدانا اليه بفضله واحسانه. 3- التربية الربانية لنا حيث علمنا ربنا كيف نتأدب معه سبحانه فنحمده ونثني عليه ثم ندعوه. @@ سعيد الشهري