أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل . وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام : ( لئن كان للناس في سعيهم إلى بلوغ ماتصبوا إليه نفوسهم مسالك شتى وسبل يرون أن سلوكها يحقق المراد ويصيب الهدف ويوصل إلى الغاية التي يكون في بلوغها طيب الحياة وسعادة العيش فان لأهل الإيمان من الريادة في ذلك ما يجعلهم أوفر الناس حظا بالتوفيق إلى أسباب الحياة الطيبة وأعظمهم نصيبا منها وأكملهم دلالة عليها بما آتاهم الله من نفاذ البصيرة وسداد الرأي وحياة القلب واستقامة على الجادة تورث صاحبها تلك المنزلة الرفيعة والموعود الآجل الذي وعد الله به عباده في قوله سبحانه : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" ولذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله الثقفي حين طلب إليه أن يقول له في الإسلام قولا لايسأل عنه أحدا بعده كان جوابه عليه الصلاة والسلام "قل آمنت بالله ثم استقم" ) . وأضاف فضيلته يقول : ( وحقيقة هذه الاستقامة كما قال أهل العلم أنها سلوك الطريق المستقيم وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسره ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة وترك المنهيات كلها كذلك وأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد كما فسر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وغيره قوله سبحانه "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره وأنهم استقاموا على أن الله ربهم فإذا استقام القلب على توحيد الله تعالى وخشيته وإجلاله ومهابته ورجاءه ودعاءه ومحبته والتوكل عليه والإنابة إليه والتسليم له والإقبال عليه والإعراض عما سواه فان سائر الجوارح عند إذن تستقيم على طاعته بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والتقرب إليه بالنوافل . وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أعظم ماتجب العناية بصلاحه واستقامته من الجوارح بعد القلب هو اللسان إذ هو المُعبر عن القلب الكاشف عن مكنونه على أن مافي الطبيعة البشرية من ضعف بين وما يعتريها من قصور يقتضي ألا يطيق الناس الاستقامة الكاملة على أمر الله في كل أشواط الحياة فلا مناص من التقصير فيها بعدم الإتيان بها على وفق مايرضي الله تعالى فارشد سبحانه إلى ما يجبر به ذلك التقصير وهو الاستغفار المستلزم للتوبة النصوح التي يثوب بها العقل إلى رشده ويفيض إلى طاعة ربه ولذا أمر صلوات الله وسلامه عليه من جنح عن الاستقامة أو قصر عنها بالتسديد والمقاربة فقال صلى الله عليه وسلم "سددوا وقاربوا" كما في الحديث مضيفا فضيلته أن السداد هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد وهو حقيقة الاستقامة وأما المقاربة فهي أن يصيب ماقرب من الغرض إن لم يصب الغرض نفسه مادام عازما مبتغيا إصابة الغرض نفسه قاصدا التسديد غير متعمد الحيدة عنه . ومضى فضيلته يقول : إن مما يعين العبد على الاستقامة على أمر الله تذكر المقصود من خلق الله له فانه سبحانه لم يخلق الخلق إلا لعبادته وحده كما قال تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" لافتا النظر إلى أن استحضار هذا المقصود يبعث على تعظيم الرب سبحانه وإجلاله ومحبته محبة تورث سلامة القلب وإقباله على ربه بطاعته والازدلاف إليه واجتناب مانهى عنه من المحرمات واتقاء الشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات وأما الغفلة عن هذا المقصود فإنها تعقب صاحبها قسوة قلب تجنح به عن سلوك سبيل الاستقامة وترديه في معامع العصيان وظلمات الخطايا . وفي المدينةالمنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله , والإكثار من الطاعات, وتجنب المعاصي والمحرمات, وبدأ فضيلته خطبة الجمعة مذكراً بضعف الإنسان بذاته, وعجزه عن تحقيق الخير لنفسه إلا بالله العلي القدير , قال الله تعالى (( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْكُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )). وقال فضيلته : إنه إذا كان هذا في حق سيد البشر عليه الصلاة والسلام, فمن دونه من باب أولى أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً, ومن رحمة الله تعالى للمكلفين أن بين لهم في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كل ما يصلحهم وماينفعهم في الدنيا والآخرة, ويسر لهم أسباب السعادة, وحذرهم من أسباب الشقاوة والخسران, فقال تعالى (( وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) , وقوله تعالى ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)). كما أورد فضيلته ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه في فضل الدعاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه حيث يذكرني, والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في الفلاة, ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً, ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً, وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول) رواه البخاري ومسلم. وأوضح فضيلة الشيخ علي الحذيفي أن الدعاء من أعظم مايتقرب به العبد إلى ربه عز وجل مستشهداً بقول الله سبحانه في كتابه الحكيم ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرينَ )) , مبيناً أن هذه الآية الكريمة تتضمن دعاء العبادة, ودعاء المسألة, لافتاً إلى أن دعاء العبادة هي كل عبادة أمر الله بها وجوباً أو استحباباً, وأن المسلم إذا أدى أي عبادة فرضاً أو نفلاً فقد توسل بهذه العبادة إلى الله عز وجل أن يثيبه عليها, ويدخله جنته ويعيذه من عذابه,وأن يصلح بها حاله ومآله, فكل عبادة مفروضة أو مستحبة يطلب بها المسلم ما عند الله من الخيرات, ويطلب بها من الله صرف الشرور والمكروهات. عام / خطبتا الجمعة / إضافة ثالثة وزاد فضيلته قائلاً : وأما دعاء المسألة فهو الطلب من الله تعالى قضاء الحاجات التي يعيّنها العبد, كالشفاء من المرض, وطلب الرزق,ورفع الكربة, وقضاء الدين, ومطالب الآخرة, كدخول الجنة والنجاة من عذاب النار,والثبات عند السؤال في القبر, والاستعاذة من أنواع الشرور, مبيناً أن كلا الدعاءين,دعاء العبادة, ودعاء المسألة, حقّ خالص لله تعالى لا يكون إلا لرب العالمين جل وعلا, فلا يكون لملك مقرب, ولا لنبي مرسل, ولا لأي مخلوق, فمن صرف الدعاء لغيرالله فهو مشرك بالله عز وجل, قد حرم الله عليه الجنة, وخلده في النار, إلاَ أن يموت على توبة, قال الله تعالى (( لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ )) , وقوله تعالى (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )). واستدل فضيلته بالحديث الذي رواه النعمان ابن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الدعاء هو العبادة) رواه أبوداوود والترمذي, وبحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الدعاء مخ العبادة ) رواه الترمذي. وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن دعاء الله تعالى هو الباب الأعظم لتحقيق حاجات العباد, ونيل المطالب من كل خير, ودفع المكروه والشر, مشيراً إلى أن حاجات الخلق ومطالبهم لا تتناهى ولا تنحصر في عدٍّ, ولا تقف عند حد, ولا يحيط بها إلا الخالق القدير الرحيم, ولا يقدر على إجابة السائلين إلارب العالمين الذي لا تغيض خزائنه ولا ينفذ ما عنده وهو على كل شيء قدير, حيث جاء في الحديث القدسي ( قال الله تعالى : ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ) رواه أبومسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه . واستطرد فضيلته بقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ( إني لا أحمل همّ الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء, فإذا ألهمت الدعاء فهناك الإجابة ), كما ذكر فضيلته ما أورده بعض السلف من أقوال تحضُّ على الدعاء والتقرب إلى الله بالدعاء وأنه يمثل باباً من أبواب الرحمة, وأن من حرم الدعاء فقد فاته خير كثير, لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة, وما سئل الله تعالى شيئاً أحب إليه من أن يسئل العافية, وإن الدعاء ينفع مما نزل, ومما لم ينزل, ولا يرد القضاء إلا الدعاء,فعليكم بالدعاء ) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم. وأبان الشيخ الحذيفي أن الداعي لربه في عبادة, وثوابه متصل لا ينقطع, لقول عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها, أو صرف عنه من السوء مثلها, مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم, فقال رجل : إذاً نكثر, فقال صلى الله عليه وسلم : الله أكثر ). وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي عظم شأن الدعاء وأن آثاره مشاهدة معلومة, فقد أغرق الله تعالى الكفار بدعوة نوح عليه السلام, قال تعالى " فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" , كما هزم سبحانه الأحزاب وكفار قريش يوم بدر بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم, وأن الله تعالى أكرم هذه الأمة بدعوة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبعث فيهم سيد البشر محمداً صلى الله عليم وسلم, كما وهب زكريا يحيى عليهما الصلاة والسلام بعد كبر الزوجين, وأنه تعالى قد أنجى الرسل عليهم الصلاة والسلام من ظلم المكذبين بالدعاء. وختم فضيلته خطبة الجمعة حاثاً المسلمين على الإكثار من الدعاء وطلب الجنة, والنجاة من النار, والثبات على الصراط المستقيم,وأن يجنبهم الله مظلات الفتن, مشيراً إلى أن الدعاء مرغب فيه للمسلم في كل وقت, وأن يجتنبوا دعوة المظلوم, لو كان كافراً لأنه إن دعا الله استجيب له, مذكراً فضيلته بآداب الدعاء, ومنها الإخلاص وحضور القلب, والتضرع, وأن يوقن الداعي الإجابة من الله تعالى, وحمد الله عز وجل والثناء عليه, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, وعدم استعجال الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم, ومن أعظم شروط الدعاء الرزق الحلال وطيب المطعم والمشرب والملبس, لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ( يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك ) , كما عدّد فضيلته الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء ومنها ثلث الليل الآخر, وعند نزول الغيث, وعند مشاهدة الكعبة, وبين الآذان والإقامة, وعند الصلوات, وفي السفر, وعند الكرب.